الأحد، 30 نوفمبر 2014

ذاكرة ملتقي الكتاب


ذكاء الحكي والدراسة في منظومة الإنسان والوطن في كتابات هاله فهمي - بقلم: خالد جوده






لا شك أن صورة الكاتب تكون مرسومة بإبداعه، وفي بحثنا القصير الماثل بين أيدي القراء نقدم عملين من أعمال الكاتبة هاله فهمى كدال علي مجمل المنجز الإبداعي للكاتبة والذي تنوع بين الخاطرة والشعر وفنون القصة بأنواعها، والدراسات الأدبية، بنوع من التوسع ضمناً إلي كون الكاتبة مزجت الإبداع بالنشاط الثقافي الكثيف، فهي تقدم نموذجاً للكاتبة الناشطة ثقافياً، علي مجال واسع وبناء. تقنيات الحكى ومفاهيم أدبية بالمجموعة القصصية (الإنسان أصله شجرة) تتنوع قصص مجموعة (الإنسان أصله شجرة) للكاتبة، وتزخر بتقنيات الحكى والتي تجسد خبرة موصولة لدي القاصة، وتثير عدد من المفاهيم الأدبية بداية من قضية النسق القصصي، وقضية النوع الأدبي، والأداء الأدبي عن قضايا الإنسان والوطن، ومعالجات شكلية تتعلق بالإهداء والذي يكون أحيانا في بداية القصة وفي أحيان أخرى في نهاية القصة، وتقطيع القصة أو القصة ذات المقاطع، والعناية البالغة بالمفردات القصصية، والتكثيف اللغوي، وثنائيات التناول بداية لثنائية النماذج الإنسانية والصراع بين الخير والشر، ونهاية بثنائية المعنوي والمادي، مرورا بثنائية الحلم والواقع، وثنائيات أخرى، ودائرية المعني في النص حول الانتقال من الخاص إلي العام، أو السبب والنتيجة، أو الهموم الاجتماعية التي تؤدي عنها هموم سياسية واقتصادية والعكس أيضا فهي دائرة مغلقة، بما يؤكد وجود منظومة الفكر المعبرة عن الوطن من خلال النسيج الفني للقصص، هذا إجمالا عن المجموعة والتالي تفصيل:


بداية نشير لتوصيف المجموعة بشكل مبسط أشرنا فيه لأغلب العناصر الظاهرية المتصلة بنواحي الإهداء والنوع الأدبي والتوثيق والتقطيع القصصي، والموضوعية المتصلة بأداء القصة سواء كأدب مقاومة أو قصة اجتماعية أو قصة نفسية، هذا التنوع والقلق في الانتقال بين قصص ذات مقاطع منوعة، إلي أخرى مرقمة أو مقاطع معنونة بالحروف ..... إلخ يؤكد أن القاصة تنشد أشكال جديدة وتسعي للتطوير والخروج من النسق الثابت وعدم تكرار نفسها قدر الإمكان . ورغم أن قصص المجموعة جميعها يمكن تصنيفها في إطار القصة القصيرة جدا، لكن بعض هذه القصص تصل في إيجازها إلي شكل شديد التكثيف لتصبح مثل الومضة القصصية التي لا تستغرق سوى سطورا قليلة، هذا من ناحية النوع الأدبي، أما من حيث النسق القصصي، فنجد أن القاصة اختارت عنوان إحدى قصص المجموعة لتمهر بها المجموعة ككل، وهذا العنوان يعبر عن الذكاء في اختيار العنوان الجديد الطريف الذي يثير التأمل كما يحمل المعني، إضافة إلي تنوع شكلي ومضموني كبير، ولا شك أن هذا التنوع تأسس عن ذكاء خاص، وقدرة علي الاستفادة من مجموعة خبرات علمية وعملية فطبيعة عمل القاصة كصحفية ومحررة أدبية لباب "نبضات قلب" بجريدة المساء، أضاف تلك اللمسة الإنسانية في القصص إضافة إلي ممارسة الكتابة الإبداعية، وكذا المساهمة في الحياة الثقافية والأدبية بأوفى نصيب كمدير لسلسلة كتاب الجيل الجديد، وعضوية إتحاد كتاب مصر، ومسئولية شعبة القصة وأدب الرحلات بالإتحاد لأكثر من دورة، ونادي القصة، وجمعية حماة اللغة العربية، وجمعية الكاتبات المصريات، كما سافرت للخارج مرات لدول عديدة، وشاركت في عدد وافر من المؤتمرات الأدبية و المتخصصة في القصة و الرواية في كل محافظات الجمهورية، وقامت بالتحكيم في مسابقات القصة بأماكن مختلفة، كما قدمت عدد من المجموعات القصصية ( للنساء حكايات عام 2001م / ربع رجل 2002م / أجنحة البوح مشتركة 1999م / الإنسان أصله شجرة 2005م / وجع دافئ 2007م) ، ولها تحت الطبع إبحار آخر مع عالم الحكى والدراما والخاطرة الأدبية (رجال غالية (رواية) / مكان في القلب (رواية) / ومسرحية الحصان الأسود)، حتى ميدان الابتكار لم تدعه فقدمت دراسة ممتعة بعنوان (في هجاء الزوجات – دراسة في الشعر العربي)، ولها حديث مستقل، أما ميدان النشر الإلكتروني فقد قامت بنشر بعض قصصها عبر شبكة الشبكات، ووجدت تفاعلاً من القراء حولها، والكاتبة تؤيد الأدب الرقمي، وترى فيه وسيلة هامة للتقدم الأدبي تقول: (مع بداية الألفية الثالثة أصبح من لا يتعامل مع الكمبيوتر أشبه بالأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وأصبح التعامل مع شبكة الإنترنت شيئا بديهيا، ومثل كل التخصصات، دخل الأدب والأدباء إلى هذه الشبكة الهائلة التي ساعدت في ترويج الكتب وانتشار المبدعين) وبعد هذا التناول لتوصيف المجموعة القصصية من حيث الشكل نشير إلي العناصر التالية عبر النسيج الكلي للكتاب:


إذا كانت المجموعة تقوم علي نسق القصة القصيرة جداً، أو ما يسمي بقصة الومضة، أما كما سماها الناقد الكبير د . محمد حسن عبد الله "قصة الفلاش"، وأيا كانت التسمية، فقد اتفق النقاد حول صعوبة هذا اللون، وأنه يتطلب قدرة علي التكثيف وإبداع المفارقة والترميز، ونجد أن أبرز تلك العناصر في المجموعة الأنسنة، والترميز، والمفارقة. مفردات الأدب وثنائية التناول أدب الكاتبة هالة فهمى يرتكز علي المفارقة بين المفردات المرمزة ، وهذا أيضا يستوجبه القالب الفني باعتبار أن انتقاء المفردة المعبرة والملخصة والمركزة من أدوات القصة القصيرة جدا ، وتنتثر تلك المفردات عبر المجموعة القصصية جميعها وتشكل خريطة غنية جدا علي شكل ثنائيات، تحتاج معها لقراءة تلك المفردات المنوعة لاكتشاف كنهها جميعا وما تؤديه من قيم فنية وموضوعية . تصنيف البشر عبر ثنائيات القصص المجموعة تشريح وتقديم لأنماط البشر (الطيبين والأشرار) في ذكاء قصصي تشرح به القاصة لون من الصراع بين الخير والشر ومن خلال تلك الثنائيات التي تتلاحم في نسيج الحكي الكلى، أهمها ثنائية الخير والشر، والشمس والظلام، والأفعي والبراءة، الثلج واللهب، الحلم والمادة، الشرق والغرب يحوطها جميعا ثنائية التناول الموضوعي في المجموعة القصصية: ثنائية الهم الاجتماعي والهوية الوطنية أول ملمحا ثنائيا يستشعره القارئ للمجموعة والذي يشكل الإطار العام لتلك الثنائيات هو التنوع الموضوعي ليشمل آلام الإنسان وهوية الأوطان، فالجانب الاجتماعي يعضده الجانب الوطني والسياسي، وهي ثنائية متكاملة لأن الأوجاع واحدة. ولنا أن نتناول تلك الرؤية عبر تلك القراءة الإيجابية لبعض قصص المجموعة: رائحة رجل القصة لدي القاصة كما هو مفهومها التقليدي بانتقاء لحظة القصة المناسبة ونشير إلي القول البعيد في الصراحة القصص ملقاة علي قوارع الطرق، لكن عين القاص الطوافة هي التي تقوم بالتقاط تلك اللحظات، أو كما ذكر شقيق القاصة / نعمات البحيري – رائدة أدب المدن الجديدة (وأدبها جميعا يدور في سيرتها ويومياتها الحياتية) عندما داعبها قائلا: ( أنك تأخذين الناس لحما وترميهم قصصا )، بل القاصة نفسها هنا قالت ذلك (أطلقي حاستك كمبدعة وسط آلام الناس، كوني منهم تنفجر عيون الإبداع لديك، لن تعاني حالة الجفاف تلك) وهذا ما أرق وأهم القاصة فنسجته في قصصها جميعها، القصة دائرة في رحاب المترو وتتناول هموم امرأة وحيدة تحاول الوصول لمصدر الأمان أو شبيه منه، رصدت النواحي الاجتماعية في جانبها الأسري، كما رصدت متاعب الناس تقول (ملاحقة الوجوه المتعبة) ، رصدت ملامح الشرود (بشر محملين بالشرود) ، و (عيون الناس السارحة بعيدا)، (الكل مبحر مع أفكاره عبر النوافذ) ، وكان الناس بتلك الحالة يحيون حالة من (التأففات وشذرات الغضب) من نافذة الحلم تطل الأفعى رمزا يتلقاه كل قارئ حسب فهمه وثقافته خاصة إذا تحولت الأفعى السامة لساحرة ذات عينيين نجلاوتين، حبيبها يدفعها دفعا لأن تمتص الأفعى بعض من دمائها، قصة رمزية مكثفة أشد ما يكون التكثيف، تحتمل الشاعرية المفرطة وتتلون بالتناقض ما بين الحب والعذاب، ويظل في القصة التساؤل حول هل هو الحب حين يفقد، أم الخيانة حيت تسري وتمزق؟، أنه أشبه بالكابوس الذي يطل من نافذة الحلم، الأفعى تتمدد بالدموع، والحنان هو ترياق سموم تلك الأفعي السامة، هناك تناص مع فكرة مصاص الدماء الذي لا يحيا سوي بالدماء، هنا نجد قضية المظهر والجوهر، قد يكون المظهر معبرا عن حسناء ساحرة ذات عينين نجلاوتين لكن باطنها الدماء المسكوبة بلا ثمن. أصباغ أهدت القاصة القصة إلي (إلي التي ملأت قلبها بالحقد فلم تنبت شفتاها بسمة حب) وهي المسخ الشائه ذات الأصباغ كالحرباء كل يوم لها لون ليس لونها الحقيقي تصبح بوجه وتمسي بوجه آخر تقترن بالشيطان ينقاد لها (وجودها بجواره يزيد اشتعاله)، ذات ارتباك ولها دموع باردة، وتلك الشخصية المحورية نجد نظير لها في قصة من نافذة الحلم (ترشف دمي ذات الأصباغ والصوت فحيح) تقابلها بنموذج قصصي آخر يمثل البراءة والطفولة وحب الأشياء البسيطة (السعادة يصنعها العطاء)، الموروث الديني يتمثل في قذف الشيطان بالمعوذتين فاحترق لأنه شيطان، أما ذات الأصباغ فانكشفت حقيقتها جنيه ذهب قصة اجتماعية تتناول هما اقتصاديا واجتماعيا عاما، الحوار الداخلي يمثل الحيرة لدي الأب (هل أقول لها الآن ..... أمام عجز أبيها) بصيغة الاعتراف، ثم انتقال ضمير الراوي إلي الراوي الخارجي (خرجت الأنة منه كما لو كان يقول: يا رب)، تعبيرات منحوتة لغويا باداء فائق جميل (تعثرت نظرته فوق نتوءات القلق الرابض في عينيها) ، (يشرب الوجه بسمتها المرتاحة)، القصة إنسانية من المقام الأول وتعزف برفق فوق الجراح الاجتماعية والعلاقات الأسرية مضفرة بهمس شاعري، ولعل هذا يذكرنا بأساطين القصة القصيرة فهم يعزفون برفق علي أغلي المشاعر الإنسانية لذا لم يكن غريبا أن يكون عنوان القصة ومتنها عن الذهب، لكنه ذهب المشاعر والذي استمتعنا ببريقه. طواف ملمح القصة النفسية منسوجة مرة أخري في ثوب قصة قصيرة جدا، التناقض بين العشق والقسوة يدل علي الحب غير المسئول، كما يدل علي عدم الاستواء سواء من الجاني القاسي أو من الضحية، دائما نجد صورة القسوة مجسدة في ارتشاف الدم ورغبة التوحش وتلك مفردات تختال في مجموعة القصص جميعها، القسوة مجسدة في التملك وتأسيس مملكة خاصة تسجن فيها مشاعر الإنسان. القادمون يسرقون الشمس يمكن وضع هذه القصة في خانة (ضد العولمة والغزو الجديد)، فهي قصة سياسية تقدم المغزى من نسيج مفرداتها في لباقة وذكاء بين المصرية الممثلة في الإلماح بأن الشمس ترسل للجيل الناهض مركبا، وكأن القاصة تذكرنا بمركب الشمس، ثم الإلماح الآخر للمصرية من خلال الوجه الأسمر فهي سمرة النيل المحببة، إلماح إلي روحانية الشرق في مقابلة مادية الغرب، فالشرق هو الموطن الأول للشمس القصة ضمن أدب المقاومة الذكي أو الغير مباشر والذي يركن لدراسة الأثر قبل تشريح الواقع بجهامته القاسية في أسلوب خيالي مثير، عنوان القصة يشير للخطر الداهم الذي هو الغزاة الجدد الذين يسرقون الشمس ويتركون الأمم المقهورة في ظلام دامس، رمزية المقاومة تمثلت في الفنان التشكيلي والذي يصرخ كزرقاء اليمامة، وكلماته أزميل يكسر جبل الصمت، رغم المرارة ما زال الأمل المتوهج يبرق بين ثنايا القصة وما زالت الشمس تشرق ونورها يهب الحياة ويأتي بالفجر من رحم الأيام، تعبير يشير نحو أن آلام المخاض تشتد اكثر عندما تستبق الولادة الموعودة كما الليل تشتد ظلمته إذا كاد الفجر أن يبزغ، القصة تتضح رمزيتها من مسيرة المقاومة الظافرة، والتي تعثر علي الحل وتقدم سبل الخلاص من خلال الجيل الجديد. الإنسان أصله شجرة القصة الأم والمعتمدة، ولعل العنوان في غاية الذكاء لطرافته بداية ثم لتعبيره عن النضج الفني بتمثل القيم الإنسانية من العطاء والتضحية وإنسانية الإنسان بين مظهره وجوهره، تناص مع قول الشاعر (كن النخيل يقذفه الناس بالحجر فتهب لهم أطيب الثمر)، تحتاج القصص للقراءة المتأنية واستحلاب ما تضمه من تلك المنظومة من الفكر والفن، القصة تبدأ بثوب واقعي من الحياة وتنصرف لتفاصيل معنوية معبرة بطريقة الكاتبة في تجسيد المعني في إطاره الرمزي، والمضمون يطرح السؤال التالي: كيف نطالب القلوب بالحب في زمن بغيض يأكله الشقاء، كيف لا يتبدل حال الشجرة إذا فقدت موردها من عطاء مماثل من ضوء وري، المعني الإنساني يتجسد عبر (فاقد الشيء لا يعطيه) إذا وجد الإنسان المعطاء كالشجرة جحودا وألما (كيف أسامح والأرض رحم مأجور لا ترغب فينا؟ جف الضرع، نقتات ما بقي من دمها .. تجف، تتشقق كلحاء الشجر) تلك الحوارية الفلسفية بين أصدقاء، تري أن الإنسان هو الشجرة فهو الشجرة التي تبذل حتى الموت النبيل لتبق بقايا جذع، وتصف (إنسان) شجرة أخري ارتدت الهالوك وأقامت الحلم فوق الوهم فلم تثمر شجرتها شيئا، لذلك نذهب وتبق لنا أنصاف أخري من جذوع منحوتة ، ملمحاً إنسانياً معبراً خلاصة: المجموعة القصصية لدي الكاتبة تعبير قصصي ذكي يقتني أدواته، ويسعى للابتكار والتطوير، ويعبر عن الهم الاجتماعي والسياسي في حلقات متصلة تمثل لقطات إنسانية تعبر عن واقعنا المؤلم بتوظيف الفكرة، وانتقاء المفردة المناسبة في عناية ودقة، من خلال نسيج المجموعة المتنوعة وعبر ثلاث أقسام (هن / تشكيل / الفقد)، يغلب عليها نمط القصة القصيرة جدا بعناصرها الكثيرة وأسلوبها المكثف، ومن خلال ثنائيات تتلاحم في نسيج الحكى الكلى، أهمها ثنائية الخير والشر ، والشمس والظلام ، والأفعي والبراءة ، الثلج واللهب ، الحلم والمادة، الشرق والغرب، ولم يكن أدب هالة فهمي كابيا وقاتما، بل كان موظفا بذكاء لابتعاث الأمل، ونهضة الإنسان، ورفعة الوطن، ويدرج بجدارة في إطار أدب المقاومة غير المباشر اجتماعيا وسياسيا، هناك تباين في مجموعة القصص لحد كبير سواء في الأسلوب الفني أو الأداء الموضوعي للقصص، فالشكل يتنوع بين المشهد القصصي والقصة القصيرة جداً، والموضوعات تتناول مشكلات اجتماعية وأزمات نفسية ، ومساحة التنوع تلك تتيح درجة ثراء معتبر يشبه مائدة منوعة تدور بين التشكيل والفقد.


الكاتبة هاله فهمى قدمت الدراسة الأدبية وأبدعت فيها، فالأسلوب تحليلي سلسل، والنتائج مرهونة بمقدماتها، والاستنتاجات صحيحة وأكدتها بالشواهد، فتقرأ الدراسة وتستمتع بها، للتنظيم بها، والنظرات النقدية، والطرافة، وبين أيدينا (في هجاء الزوجات – دراسة في الشعر العربي)، والصادر عن المجلس الأعلي للثقافة عام 2008، وهى الدراسة الوحيدة المنشورة للكاتبة حسب إحاطتنا، وإن اشتمل ثبت الأعمال تحت الطبع دراسة أخري بعنوان (عائلات ثقافية في مصر)، والعنوان سواء المنشور او تحت الطبع هي من العناوين غير المسبوقة، مما يؤكد جهد الإبداع وطرافة وجدة الأفكار، فإنتقاء المحور البحثي إبداع في حد ذاته، تقول بعد أن افتتحت مقدمة البحث بتوطئة عامة، ثم تسمية الظاهرة محل الدراسة (هجاء الازواج لزوجاتهم)، (وانها قد ترضي أناساً وتغضب آخرين .. قد تعبر عن الهم البشري وتقلبات النفوس .. وقد لا تعبر، لكن هذا ليس مبرراً لسقوط ظاهرة هجاء الزوجات من صفحة الدراسة النقدية علي مدي تاريخها حسب علمنا)، ومقدمة البحث ذات منهجية علمية من حيث الإشارة لأهمية الموضوع، وعناصر الدراسة (البيئة التي أنتجت الظاهرة / الدوافع النفسية / البناء الفني / ...)، وطرح فروضاً او أسئلة البحث لاختبارها (من الدائن ومن المدين؟ / كيف واجهت الزوجه المهجوه عنف الهاجي / ...)، وتحرير المصطلحات لغوياً وفنياً (نموذجاً: الهجاء)، والشمول بالإشارة إلي الظاهرة المقابلة (مدح المراة والتشبيب والوصف / هجاء الزوجات للأزواج أو المراة للرجل والمقارنة)، وتقديم الشواهد (من الشعر القديم والمعاصر معاً)، فكانت الدراسة بانوراما ثقافية ممتعة، فإذا طرقنا باب البحث وجدنا: أن الكاتبة تبدا من العام وتتجه إلي الأخص وكأنها تنقب بدأب وتتوغل شيئاً فشيئا في التفاصيل، بما ينبئ عن التنظيم الجيد، وكاننا نفتح صندوقاً أصغر من داخل صندوقاً أكبر، حتي نصل إلي الخلاصة الثمينة، فمثلاً تبدأ بدراسة الهجاء عامة وهل هو طبيعة عربية، وسر هذه الظاهرة الفنية لدي العرب وما بواعثها وتأثيرها وقدرها ...، ثم عن الاتجاه بالهجاء للزوجات وتفسير ذلك، ، ثم توازن الرؤية وموضوعية التناول، تقول: (وإذا راينا ان الرجل ظالم في هذه الحالات القليلة، فهل يكون مظلوماً في حالات أخري؟) ص 46 – الدراسة، ثم عن النكد الزوجي، ثم رد الزوجات، وهكذا تنتقل من جزء إلي جزء تفصيلي تبحثه بصبر وتطرح منطقاً في إنصاف. كما تقتني الكاتبة ثقافة الإنتقاء، وتقدم قصائد كاملة او أجزاء من قصائد أو أبيات أو بيتين أو حتي بيتاً واحداً، وتستعين في ذلك بمراجع نادرة، وقد أحصينا عدد (33) مرجعاً بين قديم وجديد، وكتب وصحف، وامهات الكتب وكتب إبداعية، ومطبوعة ومخطوطة، مما يؤكد الجهد المبذول. كما أضافت قيمة للدراسة من خلال لمحات نقدية، ورؤي فكرية حول الأعمال او الشواهد المختارة فتشير سريعاً لمذهب وتقييم نقدي لها، في كلمات وجيزة لكنها ملخصة وقوية، مثال في ص 130: (و لانتوقف عند نقاط الخور في بنية القصيدة – وتعددها – سواء علي مستوي المفردات او مستوي التركيب (..) وكذلك لا نفتش عن جمال السياق في بعض المواقع – وتذكر مثالاً – إنما تشغلنا ...) وتلك حيلة فنية بارعة فهي تقول أنها لن تذكر وتعدد ما تراه من امور في إيجاز ولكنه كاشف ونقدي من الطراز الأول. كما أن بالدراسة فواكه من الطرف والملح التي يستطيب تذوقها القارئ، وإن كانت في إطار من الطغينة الفنية، لكنها ممتعة لا شك منها (بمفردي الآن وحدي / اوشوش القصيدة / وأختبى في موجها / وأرتمي في مقطع لمقطع علي ضفاف قصة / وأشرب الموسيقي / بمفردي الآن أبدو، / كأني أنا منذ عام ونصف !!/ وزوجتي في غفوها / تنغص الملائكة) ص 69 إلي ص 70. والكاتبة تكشف قصديتها من الدراسة علي إجمال: (لننتمي ولموضوعية البحث العلمي ونقف علي ظاهرة ممتعة ومقلقة وتسعد أناساً وتسوء آخرين) ويبقي أن نشير لأمور: عدم إدراج هوامش لمعاني المفردات الصعبة (والتي لا يعرفها القارئ المعاصر) في الشعر القديم، صحيح أنها تشرح الأبيات غالباً بعد إيرادها، وهذا ُيفهم القارئ، لكنه لا يصل لجماليات الشعر ذاته لتعثره في مفردات مهجورة الآن، كما تم إيراد قصيدة الشاعر فريد طه (حسى بمشاعري يا هانم)، ومطلعها ( ياوليه اهتمى حبه بمظهرك في البيت) في الهامش رغم قيمتها ومتعتها الفنية ومناسبتها للإنتقاء في المتن، ولم نعرف سبباً لذلك، وهي المنشورة الان في ديوانه تناهيد، ويبقي أن نشير أن الغلاف نقطة ضعف بالدراسة، فهو ليس جيداً أو معد بعناية تذكر، رغم أن عنوان الكتاب وموضوعه يتيح تشغيلاً ممتازاً لغلاف أكثر تشويقاً وتعبيراً عن الدراسة.

الأحد، 23 نوفمبر 2014

صور قبل العتمة بمتر








النقد المتعاطف والتواصل الإنساني روح مناقشة قبل العتمة بمتر للشاعر مجدي عبد الرحيم

النقد المتعاطف والتواصل الإنساني روح مناقشة قبل العتمة بمتر للشاعر مجدي عبد الرحيم



في اجواء أمسية ودودة بها النقد المتعاطف، وروح التواصل الإنساني، وقتل الشيئية كما دعى الشاعر مجدي عبد الرحيم شعرياً في ديوانه (قبل العتمة بمتر)، جرت وقائع مناقشة الديوان، تحدث الناقد د. جمال عبد العظيم حول تطور الشاعر في دواوينه، وعن الطوح الشعري العريض في الديوان، بما يحتاج معه إلي شاطئ لتنوع الموضوعات الكبير، أما الشاعر والناقد السعيد عبد الكريم فأشار أن الشاعر يكتب بمشاعر طفل، ويرسم القصيدة، وان هناك الصورة البديلة او المقابلة والعكسية، ويطالب الشاعر بالوصول مباشرة لقصديته، اما الباحث خالد جوده فتحدث عن غيجاد لزوم ما يلزم في منظومة تنائيات الديوان سواء الثنائيات المتلازمة او الضدية، وعن الإيقاع في القصيدة والزمن النفسي والسردي في الحكايات الشعرية وقضية الكتابة وتثمير لحظة الإضاءة في الديوان، وتفاعل الحضور بالتعليقات، فعلق الشاعر احمد علي ُعكه: أن شاعرنا قائم علي مشروع شعري كامل، وان شعره ليس سواوياً كما قد يبدو بل هو الشعر الذي يدعو للتغيير، قدم الأمسية باتحاد كتاب مصر القاص / عبد الناصر العطيفي، والذي يعشق القول الدال والكاشف في تلخيص وتكثيف، فذكر أن تعليقه هو ما ورد بمفتتح الديوان ذاته (الشعر .. / إحساس / مش رص كلام .. / وخلاص)، الطريف أن الأمسية ذاتها حققت عناصر من الديوان: منها ان المناقشة تمت بعد العتمة، حيث انقطع التيار الكهربائي ساعة ثم عاد بعد صلاة العشاء لتبدأ الأمسية فوراً،  ومنها أن احد النقاد اعتذر لشاعرنا رغم قيامه بإعداد رؤيته للمشاركة، لارتباطه بالسفر لوالدته كما دعي الشاعر بالضبط في العديد من قصائد الديوان، ومنها أن الجميع كانوا أصدقاء، والشاعر يعلي من قيمة الصداقة باعتبارها ذروة سنام التواصل الإنساني، كما ألقي الشاعر العديد من قصائد الديوان التي تلقت تفاعل الحضور.
ومن ومضات الشاعر بالديوان: (سؤال: بسمع صوت ملايكه / بتعدى في الأوضه / لحظة ما .. / أمى بتسأل / رجعت إمتى يا واد؟)
(فاكر آخر مرة .. / قابلت قلبك .. / من 6 سنين / وهو بيعدى / ع الناصية / وشاور لك / قبل ما يختفى .. / في العتمة بمتر / باى .. باى).

الأحد، 9 نوفمبر 2014

قبل العتمة بمتر في مركز سعد زغلول الثقافي


قبل العتمة بمتر في مركز سعد زغلول الثقافي

يقيم مركز سعد زغلول الثقافي ندوة لمناقشة ديوان "قبل العتمة بمتر" للشاعر/ مجدي عبد الرحيم، في تمام الساعة السادسة مساء يوم الخميس الموافق 20/11/2014. يشارك في المناقشة النقاد:
د/ جمال عبد العظيم
أ/ السعيد عبد الكريم
أ/ محمد علي عزب
أ/ رمضان أحمد عبد الله
أ/ خالد جوده أحمد
يقدم الندوة القاص/ عبد الناصر العطيفي.
الديوان صادر عن مركز عماد قطرى للإبداع والتنمية الثقافية عام 2014م.
وقد صدر للشاعر من قبل:
• حاجه تموت من الحزن – ديوان – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 2003م.
• مشهد الوداع الأسبوعي – ديوان – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 2004م.
• توت حاوي توت – ديوان – كتاب قطر الندى – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 2004م.
• يا مطره رخى رخي – ديوان – كتاب قطر الندى – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 2004م.
• لسه بيعشق طير العصافير – ديوان - الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2022م.
وتحت الطبع:
• مدمن كتابه – ديوان.
• كيكا ع العالى – ديوان للأطفال.
• خلطبيطه – ديوان للأطفال.
• هات لى لاب توب يا جوزى – أدب ساخر.

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

السياحة الثقافية وذاكرة الأمة

السياحة الثقافية وذاكرة الامة
خالد جوده


"خفف الوطء فما أديم هذه الأرض إلا من هذه الأجساد / وقبيح بنا وإن قدم العهد هوان الآباء والأجداد"
مقالة صدق صدح بها شاعر الزهد "أبو العتاهية" في الوعظ والإرشاد، وتحث علي التواضع والرفق، لكن الحقيقة انه أحق بها وأولي أن ُتقال لمن يسير في ميدان العتبة وشارع عبد العزيز، وشارع عماد الدين، وما أحاط بتلك المنطقة من شوارع وحارات، حيث أن هذه المنطقة كانت أصلا مقابر هائلة كمقابر الغفير والمقطم، ثم قام الخديو اسماعيل (باني القاهرة الحديثة) بجمع العظام المتبقية في هذه المقابر ودفنها في بئر سمي "بئر العظام"، والذي بني عليه مسجدا لاحقا سمي أيضا بمسجد العظام والكائن بشارع عبد العزيز، وقد ذهبت وبحثت عن المسجد حتى وجدته، وصليت فيه أحد الفرائض، هذه المعلومة القيمة هي نموذج لمعلومات أخري وردت في كتاب الكاتب "عباس الطرابيلي": (خطط الطرابيلي – أحياء القاهرة المحروسة)، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية، ثم ضمن فعاليات مكتبة الأسرة 2003، والحق أن مكتبة الأسرة 2002 أتحفتنا بكتاب سابق له علي نفس الشاكلة بعنوان (شوارع لها تاريخ – سياحة في عقل الأمة)، والكتاب الأخير كان بالفعل سياحة ممتعة في الماضي وكأنه آلة الزمن والتي تحركت عبر صفحات الكتاب إلي الماضي، مما كان دافعا لي لزيارة شارع المعز لدين الله الفاطمي والذي أشار الكاتب إلي أنه شارع ليس له نظير في العالم بما يضمه من آثار لستة عصور كاملة، ولا شك أن تلك الكتب نتنسم منها عظة الأيام والحوادث والتاريخ، والسياحة الثقافية هامة جدا لأبناء الوطن وممتعة غاية الإمتاع، ولا شك أن بمصر ثروة مهولة من التاريخ والآثار والحضارة، فتحت كل حجر في مدن ومناطق وقري كاملة قصة وحكاية وحضارة، لكن للآسف عندما قمت بسياحتي الثقافية داخلني الحزن العميق وأنا أري كم الأتربة والاضمحلال الذي حاق بهذه الآثار الرائعة لدرجة أني في مسجد قلاوون الكائن بمجموعة قلاوون وقد دخلته قدرأ، كان الحديد علي النوافذ يتفتت في يدي ويتحول إلي أتربة، ولاشك أن جعل منطقة مصر الفاطمية والأزهر منطقة سياحية كاملة يكون أمراً جيداً، حيث يجب رصد الأموال الطائلة، والجهود المتواصلة لجعل مثل هذه المناطق مزارات سياحية عالمية تشرح التاريخ، وتقدم الحضارة العربية والإسلامية بشكلها الآخاذ والمبهر، وللآسف فنحن نفتقد كثيرا وعي السياحة الثقافية، فالأجنبي الزائر شاهدته يحمل معه تلك الخرائط والكتب المفصلة والشارحة لمواقع زيارتهم، حتى يتوقفون ميلا للرؤية والدراسة والتطلع ثم تصفح الكتب والنشرات والتأمل، وليس سائحا واحدا أو اثنان، بل جميعهم بلا استثناء، بينما نحن نسير بلا أدني اهتمام، وكأننا غائبون عن الوعي والتاريخ، لذلك إحياء هذه الآثار والحفاظ عليها، والترويج للسياحة لها أمرا هاما جدا مهما كلفنا ذلك، لأن مردوده يتجاوز القيمة المادية إلي قيمة إنسانية وحضارية تطال أوطاننا، وخدمة للحضارة الإنسانية بعامة.
وكما بدأنا بتعجب أبو العتاهية من السائرين علي رفات  الأجداد، فنختتم بتعجب آخر، وهو عجبا لأمة تهمل ذاكرتها علي هذا النحو الخطير!

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

ماذا قال الناثر نزار قباني؟

ماذا قال الناثر نزار قباني ؟
خالد جوده

كلنا يعرف الشاعر الكبير / نزار قباني ، ولكنه لم يشتهر بثره كما اشتهر بشعره ، والحقيقة ان نثرة في غاية الروعة والجمال ويحمل طاقات شعرية وفكرية هائلة ، ويحتفظ بنفس خصائصه من حيث السهولة والصعبة علي موهبة أخري غير موهبة نزار ، انتقيت لكم عبارات من أقواله أرجو أن تنال رضاكم ، وتكون حافزا نحو مطالعتكم لسفر هذا الناثر الكبير وقراءات في كتاب " الأعمال النثرية الكاملة نزار قباني " المجلد الثامن ص 1 يناير 1993 م – بيروت

ص 286" لماذا لا يكون الشعر شجرة يأكل منها الجميع ... ثوبا يلبسونه ... ولغة مشتركة يتكلمونها .. العالم العربي ، أيها الأصدقاء ، بحاجة إلي جرعة شعر بعد أن جف فمه .. وتخشب قلبه .. إن الشعراء أيها الأصدقاء ، مدعوون لغرس السنابل الخضراء في كل زاوية من زوايا الوطن العربي "
ص 275 " كنت أحلم بديمقراطية شعرية لا فرق فيها بين من يملكون ، ومن لا يملكون ، وبين من يحكمون ولا يحكمون ..
 ص 230 "قد تكون الرحلة متعبة ، وقد تحرمكم النوم والطمأنينة ، ولكن من قال إن وظيفة الشعر هي ان يحمل لأجفانكم النوم ، ولقلوبكم الطمأنينة ... إن وظيفة الشعر هي ان يغتال الطمأنينة .. "
ص 192 : 193 " مهمة الشاعر أن يكون جهاز الرصد الذي يلتقط كل الذبذبات ، والإهتزازات والإنفجارات التي تحدث في داخل الأرض ، وفي داخل الإنسان إن جهازه العصبي يجب ان يظل 24 ساعة في ا24 ساعة في حالة استنفار ورقابة ، بحيث يستوعب كل حركة تحدث تحت أرض التاريخ كما تتحسس الخيول بقرب سقوط المطر قبل سقوطه . وهوائيات الشاعر هذه ، تسمح له بأن يسمع أسرع من غيره ، وأقوي من غيره ، وبهذا المعني يأخذ الشعر مدلول النبؤة، إن الشاعر ليس منجما ولا ساحرا ، وليس عنده مفتاح الغيوب ، ولكن أهميته في أن يسبق الآخرين بثانية ، أو بجزء من أجزاء الثانية في اكتشاف الحقيقة ، ويقدمها لهم علي طبق من الدهشة "
ص 191 " إن التجديد يحدث يوميا دون ان نراه ، ويجري في أعماقنا دون ان نلاحظه .. ودون ان نستعجله ، كما يأخذ الشتاء وقته لتحضير الأرض ، ويأخذ الصيف وقته لإنضاج الثمر .. ويأخذ الربيع وقته لإنجاز الديكورات الجميلة التي وعد بها الأرض إن الفصول لا تزاحم بعضها ولا تتقاتل "
ص 177 "وفي سؤال أصبح اسمك مقترنا بالقصيدة الأزمة ، فكل كلمة تنشرها تحدث ردود فعل بين مؤيد ومعارض ، لماذا أنت وحدك دون سائر الشعراء تقف علي حد الخنجر ؟ منذ عام 1944 أنا أقيم بين أسنان التنين إرنست همنجواي كان يقول إن الكاتب الحقيقي هو الذي يقف علي الحد الفاصل بين الحياة والموت " حين تريد أن تؤسس عالما جديدا علي أنقاض عالم قديم .. فإن كل حجر يصرخ في وجهك وكل الأشجار المقتلعة تقف في طريقك "
ص 179 "إنني لا أشعر انني علي قيد الحياة إلا حين تتساقط الحجارة علي زجاج نافذتي في هذه اللحظة أشعر ان جرعة الشعر التي أعطيتها للناس بدأت تتفاعل في دورتهم الدموية .. وأن الزلزال الذي كنت أحتفظ به في داخلي قد أنتقل إليهم عندما أنشر قصيدة ولا يرجمونني بسببها .. أشعر أنني مريض وتبدا حرارتي بالإرتفاع "
ص 172 " الكتابة هي فتح واختراق ومغامرة والشاعر الذي يخاطب الأمة العربية في هذه المرحلة الحارقة من تاريخنا بالفوازير والكلمات المتقاطعة وبلغة مسمارية لا يمكن تفكيكيها هو شاعر هارب من الجندية ويستحق الحبس "

السبت، 1 نوفمبر 2014

مسرحية "القلم المغرور" بين الثوب القيمى وخصائص الأداء الإبداعي للطفل - بقلمي

مسرحية "القلم المغرور" بين الثوب القيمى وخصائص الأداء الإبداعي للطفل
خالد جوده

(القلم المغرور" عنوان المسرحية الغنائية التى صدرت عن هيئة الكتاب للشاعر عبده الزراع، وتدور أحداثها داخل "المقلمة" حيث يتكبر القلم الرصاص على بقية أدوات الهندسة لشعوره أنه أفضل منهم جميعا وأنهم بدونه ليس لهم قيمة. ويحدث صراع آخر بين جميع الأدوات الهندسية التقليدية والأخرى الحديثة الموجودة بالحاسب الآلى، فتشعر الأدوات التقليدية انه سيحل محلهم فى الفترة القادمة، ويحاول المؤلف من خلال النص المعروض أن يعالج مسألة الغرور والصراع بين القديم والجديد، ويظهر ذلك فى اعتراف القلم الرصاص بقيمة بقية أدوات الهندسة، ليعيشوا جميعا فى سلام محبة داخل بيت صديقهم فهمان، يذكر أن المسرحية عرضت على مسارح هيئة المسرح عام 2005 وشاركت فى المهرجان الأول للكاتب المسرحى المصرى، باعتبارها مسرحية الأطفال الوحيدة المشاركة فى المهرجان)

هذا هو نص الخبر الصحافي المنشور عن المسرحية، وقد حصلت علي نسخة ورقية من المسرحية، والتالي رؤيتي كقارئ في إطار تفاعلي مع النص كما يلي :

يرمي الأديب من خلال مسرحيته الشعرية إلي تحقيق أهداف تربوية وتعليمية في آن واحد، ويستهدي بذلك بطائفة من الأدوات والوسائل الفنية، ونوضح ذلك من خلال البنود التالية :
·   شخوص المسرحية مفردات متصلة بالطالب الصغير، وهنا أنسنة أو شخصنة الأشياء، وهي فكرة مشهوده وشهيرة في ميدان الكتابة للطفل، إذن القرب للطفل يكون من خلال الحديث حول بيئة يحياها وأدوات يتعامل معها، بما في ذلك الأدوات الحديثة كالحاسب الآلي .
·   المشهد الغنائي وهو القالب الفني الذي أراده الأديب ليكون أقرب لذهن الطفل، وألصق بوجدانه، وهو يبدأ منظره الأول ص 6 من المسرحية بأن تقوم كل أداه من الأدوات الهندسية بتعريف نفسها، وفي إطار هذا التعريف توضح كل أداه مهمتها وفي ذلك تمهيد  لما معناه فريق العمل أو تكامل الأدوار، وهي ذات الفكرة الإدارية الهامة التي يقوم عليها علم الإدارة الحديثة بالانتقال من الهيكل الإداري التنظيمي التقليدي إلي الهيكل المفرطح باختصار عددا من المستويات الإدارية، إلي اللاهيكل أو طريقة فرق العمل وهي السائدة في عالمنا المعاصر لكل الشركات الكبرى الناجحة، لذلك تغرس تلك المسرحية من خلال نسقها الغنائي وفكرتها الأساسية نحو تأكيد هذه القيمة ليخرج لنا جيل جديد للمستقبل يؤمن بتلك الأفكار التي تحقق النجاح والتقدم.
·        ومن خلال التعريف أيضا نجد اللمسة الوجدانية للوطن والتي تغرس قسمة مؤداها في فؤاد الطفل قيمة الوطن :
القلم : أنا القلم : / بسني بارسم ف الخطوط / أرسم بيوت تبقي وطن / ارسم شموس وأرسم علم (ص 7:6)
·   الحوار بين الفرد والجماعة والتي تقوم بدور تربوي هام بعزل والضغط عن المفارق لقيمها حتى يعود مرة أخري إلي طريق الصواب ويقارب قيمها الثابتة، وتلك الفكرة في غاية الأهمية إذ عنها مدار الإصلاح جميعه، بمعني أن غرس طائفة من القيم الراقية في نفوس أطفالنا وفي وسائل التدريس تؤدي بذاتها دورا ذاتيا في إصلاح العطب من خلال الضغط الجمعي، سواء من خلال السخرية من المجموع بالقلم المغرور، أو بالتوضيح والإفهام له من الأدوات الأخرى، أو بالتجربة المشاهدة، والتي تحمل البرهان مثل المباراة والتحدى للقلم بالقيام بمهام أدوات أخرى (ص 13:12)، ثم الصياح عليه
الجميع : (يضحكون) ها ها ها ها هاي يادي الفشل يادي الفشل
وفكرة الضغط الجمعي لتصويب الخطأ من أوضح ما يكون ما  يكون في نسق الفكرة.
·   اما عن العبارة الكاشفة أو المضيئة للنص، فالنص كالبيت له نوافذ ترشد عنه، واسميها العبارات اللافتات أو العبارات الملخصة، وفي المسرحية بين يدنا نجد أن تلك اللافتات تغرس قيما تربوية تؤكد علي أخلاق رفيعة مثل العطاء
المسطرة : لأ يا جماعة مش كده .. الموضوع مش مين أحسن من الثاني .. المهم إننا كلنا بنكمل بعضنا . (ص 10)
ويتكرر مفهوم إحنا بنكمل بعض (ص11)، البرجل : (..) مفيش غنا عن بعضنا (ص12)، واعتقد أن هذه من أهم القيم التربوية التي تقوم المسرحية بتأكيدها نحو العطاء والتعاون والتي نحن في أشد الحاجة اليوم لغرسها في أجيالنا الناشئة.
·   أيضا التناص الدائر في أفاق المسرحية والذي يأخذ عبارات مباشرة من أغاني شهيرة جدا، يجعل الفكرة والداء قريبين جدا من الطفل ومن نماذج ذلك :
البرجل : أيوه وتقعد تغني لنا (يغني بصوت غليظ) بتسأل ليه على .. ما لكش دعوى بيا .. وتقول وحشاك عنيا .. ما لكش دعوي بيا .. (ص18)
وأيضا، الويندوز : زعيم إيه اللى أنت جاى تقول عليه !! إنت تعرف قبله معني
الزعامه إيه !! (ص39)
لكن في مجال هذا التناص توقفت رافضا (وأرجو أن يسمح لي الأديب بممارسة هذا الحق كقارئ) علي المستوي القيمي لمشهد مغازلة البرجل للكىيورد صفحة 40 وهو مشهد طالما جرى ابتذاله علي شاشة التليفزيون من خلال عشرات الأفلاموالمسرحيات، لكننا هنا في مجال نفي للقيم السلبية وتأكيد قيم إيجابية للطفل، صحيح أن الأديب قصد بذلك تحقيق الطرافة وإسعاد الطفل، لكن الغزل المقدم في الأفلام 
مستقر في ذهن الطفل بمعني أن يقوم الشاب بمعاكسة الفتاة .
وعلي نفس الوتيرة رفضت أن تقوم الأم بتقديم كوبين من الشاي للأستاذ والطفل (ص  25) إذ أنه لا يجب أن يشرب الطفل (السن من 8 – 12 سنه) شايا، وهو من المنبهات التي يجب أن يبتعد عنها الطفل.
·   أيضا الاختيار المباشر لاسم البطل (فهمان) يدل علي الخطاب المناسب للطفل، وتأكيد أهمية الفهم والذي يرقي عن الذكاء بتوظيف الأفكار لإدراك جوهر الأمور ، ورعاية مناسبة الحال.
·   تناقش المسرحية أيضا فكرة الغرور وتتوغل داخل شخصية المتكبر، وتنبين تهافت ما بستند عليه من تعظيم ذات والاستعلاء بها علي الآخرين فهنا منحي نفسي، يقدم للطفولة بلغة سهله واضحة قريبه من وجدانه .
·   هناك أيضا مسحة فكاهية لتقترب جدا من أفاق الطفل الذي يعشق الضحك والتسلية، من خلال أداء كوميدي لبعض الأدوات أو من خلال حركات كوميدية أو مشهد الأستاذ خلوصي والذي اختار له الأديب اسم له جناس ناقص مع خصوصي، والتي تؤكد علي معني إدانة ظاهرة الدروس الخصوصية وجشع بعض المدرسين الخصوصيين، كما تلمح من طرف خفي لتهافت العملية التعليمية وانهيارها في بلدنا اليوم. 
وبرع الأديب في استخدام تقنية التكرار للخطأ في اسم المدرس بين الطفل (فهمان) وأمه، وقد تبدو قضية التكرار من التوابل الفنية والتي يجب استخدمها بحذر في أدب الكبار، بينما جاءت هنا باحتراف وفهم لطبيعة الطفل والذي كلما تكررت كلما زادت من سعادة الطفل وتفاعله مع المسرحية.
·   تزخر المسرحية كما ذكرنا بطائفة من القيم التربوية الرئيسة في تناول الفكرة، لكن لم يمنع هذا الأديب من التلميح لشئون وقيم أخرى هامة تتصل بالعملية التعليمية (الدروس الخصوصية، التحفيز للطالب من خلال تقديم الوعد له بمكافئتة حال تحقيقه مستوي دراسي معين، وبالطبع هي من ألزم الأفكار التربوية منذ القدم)، وقيم التطور (مثال : العولمة والحاسب الآلي، وعلاقة الرقمي بالورقي والتكامل بينهما في فهم صحيح لتكامل الأدوار وطبيعة التطور)، أيضا اللغة العربية وأهمية التحدث بها وتأكيد تنقية الحديث من شوائب لا تتصل بها، والحقيقة أن هذه القضية شغلتني، حيث طالما نلتقي بمن يبتكر لغة جديدة مشوهه (هجين) بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية في بحث نحو الجدارة وتأكيد الأهمية، وسوف أسرد تلك الفقرة من المسرحية :
فهمان            : ياريت يا أستاذ، خلوصا .. قصدي خصوصا لأني في بعض الدروس محتاج نعمل عليها (استرس).
أ. خلوصي       : (بغضب) استـ .. إيه يا أخويا.
فهمان            : (بخوف) استرس يا أستاذ .. يعنى نركز عليها.
أ. خلوصى       : اسمها نركز عليها .. مش (استرس) .. خلاص كلكلوا بقيتوا خواجات .. لسانكوا اتعوج .. مالها اللغة العربية .. دى لغة البيان والقرآن .. لازم نحافظ عليها .. وخلوصا .. قصدي (بنرفزة) وخصوصا في عصر المدعوكه دي اللى اسمها العولمة.
ولعل إيراد كلمة العولمة لا ترقي لفهم الطفل، لكنها تعطيه مفتاحا لمعرفة عصره، وموقف الأستاذ من وجوب التمسك بلغتنا لعله الموقف الإيجابي الوحيد لهذا الأستاذ المنغلق الذي يرفض التطوير ويحارب التقدم متمثلا في الحاسب الآلي، لكن هنا تناقضا لا أحبذه حيث أن معناها أن من ينادى بلغتنا الجليلة يكون منغلقا منفعلا !!، وحيث انه يحارب التطوير رغبة منه في الحفاظ علي مكاسبه، لذلك انقلب الأمر إلي عداوة مستحكمة بينه وبين الحاسب الآلي.
الأم      : سيبك منه يا فهمان .. د باين عليه عدو التقدم .. ( .. )
فهمان  : (يبكي) يا ماما هو كل المدرسين بالشكل ده .
الأم      : لا يا حبيبي ده نوعيه من المدرسين الجشعين اللى ضد العلم والتطور .. لكن فيه مدرسين كويسين بيخافوا عليك ( ص 29)
وهنا ملمح آخر بإرساء قاعدة للفهم السليم بخطيئة التعميم والتي تقود للتعصب المشين.
كما نجد بعدا تشكيلي من خلال تلك الصورة صفحة 27 للأستاذ الأشعث والذي يمثل الماضي المتعثر، وفهمان الطفل الأنيق النظيف الذي يمثل المستقبل.
·   إيقاع المسرحية متوازن بحيث لم يمكن تقسيمها مناصفة بين حوار وتفاعل بين الأدوات الهندسية، ثم طارئ حديث بورود الحاسب الآلي بمكوناته، والتفاعل بينها وبين الأدوات الهندسية من ناحية أخرى، وكما بدأت الأدوات الهندسية بالتعريف بذواتها في مطلع المسرحية من خلال استعراض غنائي، نجد أن الحاسب الآلي بمكوناته يقدم استعراضا غنائيا للتعريف أيضا، وهذا الاستعراض الذي يقدم مكونات الحاسب الآلي هو عبر تفاصيله مضمون الدرس لطلاب الصف الخامس الإبتدائي  وهذا يدفعنا للحديث حول الجانب التعليمي في أدب الطفل، حيث يجب أن يزخر الأدب الذي يقدم له بجوانب معرفية مقدمه بطريقة مشوقة، بل لعل الهدف التعليمي يكون رئيسيا في هذا الأدب، كما يجب أن يكون مباشرا سهلا، قريبا من بيئته وذهنه ويطرق علي وجدانه لينقش فيه القيم التي تصنع جيل المستقبل، وتغير وجه الحياة في مصرنا الحبيبة، وهذا جميعه لمسناه في تلك المسرحية الشعرية التي أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن شاعرنا مسيطرا علي أدواته فاهما لتقنيات ووسائل الكتابة للطفل والتأثير فيه.
·   وفي آخر صفحة من المسرحية عرضا لقضية لا تمس أدوات الهندسة ومواجهتها لخطر إحلالها بالحاسب الآلي، بل تمس حتى عشاق الخط العربي الذين واجهوا اضمحلالا مع التكنولوجيا الحديثة، لكن يبق للخطاط وأدائه الخطي المبدع حضوره علي المستوي الفني والجمالي، وإن تراجع دوره علي المستوي الاستعمالى، وهي بالضبط قصة الأدوات الهندسية مع الحاسب الآلي.
·   أما من ناحية الرسوم فهي لطيفة ومعبرة، وإن افتقد الغلاف رسوما لمكونات من الحاسب الآلي حتى يكون الغلاف معبرا بالمماثلة لفكرة المسرحية ككل.
·   وبقي أخيرا أن نشير أنه رغم مرور قرابة الست سنوات علي تقديم المسرحية في ثوبها الأصيل عبر مجمع الفنون (المسرح)، لكن حسنا فعل الأديب بنشرها ورقيا لأنها تحقق هدفا رائعا وهو غرس القيمة الأدبية في ذاتها، وعشق الطفل لمطالعة الآثار الأدبية بصورتها الورقية، والتي أصبحت موضع للرثاء في عصر تدهور القيم.