السبت، 29 أكتوبر 2011

سؤال في قضية بصحيفة الجمهورية



نشر مقال (قصيدة النثر هل هى النثر الوجداني؟ - سؤال في قضية، وقضية في سؤال) بصحيفة الجمهورية اليمنية، عدد 26من شهر أكتوبر 2011م



النثر الوجداني هل هو قصيدة النثر ؟ ( سؤال في قضية وقضية في سؤال )
خالد جودة


أثارت قضية “ قصيدة النثر” الكثير من النقاش ، واختلاف وجهات النظر سواء بالنسبة للمصطلح نفسه ، أو الناحية الموضوعية وآليات التناول ، فبداية أصبح النثر الشعري أو قصائد النثر ( أيا كانت التسمية ) ظاهرة متواجدة بالفعل ومطمحاً لكثير من الكاتبين ومثار تأييدهم ، أو انتقادهم على سواء ، وحيث إن المجال الأدبي يسمح بوجود أنواع كثيرة من القوالب الأدبية ، وإن ابتكار أشكال أدبية جديدة لا يعني أن يكون ذلك قائما على أنقاض أخرى ولا أرضى بانتصار شكل أدبي جديد بالعدوان اللافت على نوع أدبي مستقر وله أدواته وطرائقه المضروبة للأداء ، خاصة وان الشعر بعروضه وبحور الخليل ديوان الحياة العربية

وما زال يؤدي دوره المنشود ، والقول بإزالته ليحل بدلا منه شكل جديد بدعوى التطوير والتحديث أمر يدل على أمر عجيب للغاية ، وفي هذا الملمح يقدم الشاعر / محمد إسماعيل رؤية بخصوص الأمر فيذكر أن من يريد الخروج على نسق تعبيري معين فعليه أن يتقنه بداية ثم يتمرد عليه ، وعلى هذا المنحي كان انتقاد الكثيرين لعدم قدرة طائفة من شعراء قصائد النثر على أداء القصيدة بنسقها المشهود والمعروف منذ مئات السنين ، ويقدم الشاعر جمال القصاص رؤية أخرى تتصل بتحوله لكتابة قصيدة النثر بعد أن أعلن عن دعوته للشعراء لتكوين محمية للشعراء ، ثم صاغ رؤية أخرى بأن ترك الأوزان العروضية يعني أن النص بنفسه وفي ذاته موسيقاه الخاصة والناشئة عن توليد المعاني.
بالتالي هذا النسق الجديد أشق في تناوله من الخاطرة الأدبية ويقترب من الشعر في منطقة تماس أدبية تتشكل بين الألوان الأدبية ويجب على من يريد الأداء من خلال تلك المنطقة أن يكون صاحب طاقة شعرية وإدراك كبير ووعي بتلك القضية ، ومن الأهمية بمكان الإشارة أيضا إلى قضية الإغراق في الرمز لدرجة تجعل النص الأدبي ملغزا يشبه الشفرات المخابراتية ، والتي لا يفهمها القارئ ، وهذا الرأي لا ينفي أن يحتمل العمل الأدبي أكثر من قراءة وتأويل ناقشتها وعبر سنوات طويلة نظريات التلقي الأدبي.
ولا أنكر هنا أن يكون هناك اكثر من مستوى للنص للتفسير والتلقي وأن يحمل في أعطافه أكثر من قراءة ( وهذا من علامات نجاح العمل الأدبي المؤكدة ).
لكن هناك فارق كبير بين الرمز بصورته الفنية المرتجاة في التعبير عن الفكرة وما تحمله من دلالات قد تكون وفيرة ، وبين أن يتحول العمل إلى متاهات لو نظر المنصف إليها لأصيب بالدهشة من درجة التعقيد والتعمية والغموض ، بالتالي الأشكال الأدبية تنشأ لتعبر عن كاتبها وعصرها ، ولا بد من مد جسور الكلمات بين الكاتب والقارئ ، ولا بد للأدب أن يتفاعل مع عصره ويقدم الجديد دائما ويعبر عن هموم العصر وأزماته الخاصة ومشكلاته شريطة أن يكون التعبير مؤديا وظائف اللغة في الوضوح والتفسير ووظائف الفن في الرمز والتكثيف ، ومستمدا في الآونة نفسها من خصائص المجتمع وبيئتة وثقافته الخاصة والتي تشكل ملمحا هاما من وجدانه وهويته ، بغير هذا لا يكون لمثل هذه النصوص الأداء المتميز والأكيد في التعبير عن العصر والإنسان في آن .
وبالطبع نشير إلي قضية المصطلح نفسه ، والذي أري أن نسبة كبيرة من المعركة تنصب حوله ، من حيث التناقض في داخل المصطلح ذاته ، فالقصيدة مشهود لها بنسق معين وأوزان خاصة ، والنثر بألوانه له طريقته الخاصة في السرد ، ويبدو أحيانا أن شكل قضية النثر من الألوان الحداثية ، لكن بالنظر إلى رواد الكتابة النثرية نجد رؤية لعدد من الكتاب أن ذاك الشكل من الكتابة قد ارتاده عدد من أدباء العربية وخاصة الأديب / جبران خليل جبران في كتاباته المعربة والعربية مثل “ النبي “ و “ رمل وزبد “ وأخرى ، ومثل أديب العربية / مصطفي صادق الرافعى، يقول د . حلمي محمد القاعود في كتابه القيم حول مدرسة البيان في النثر العربي : “ فإن الرافعي يقدم نماذج تبلغ الغاية في روعة الأداء ، وتقترب من الشعر ، وقد اعتبر بعض الكتاب مقالته “ احذري “ قصيدة من النثر الشعري “ “ ، ورغم أن هناك فارقا بين النظم والخالي من الصورة الشعرية ، وأن النثر أحيانا في شكله الأدبي الوجداني قد يحمل طاقة شعرية، فإنه لا يمكن إقامة معارك هائلة حول استحواذ كل لون أدبي على الساحة كاملة ونقض الطرف الآخر ، بل لا يمكن نسف فصيل هائل من الأداء الأدبي وديوان العروبة لمجرد لون أدبي يجري تنظيره ويحتل منطقة كائنة في مناطق التماس الأدبية ، ويحضرني قول الشاعر / فريد طه ، عندما أشار بأن المهم هو الإبداع ، ليبدو السؤال دائما : هل قصيدة النثر هي النثر الأدبي الوجداني ؟ ، سؤال يشير إلى قضية ، والقضية يلخصها سؤال ، وبالطبع قد أميل للإجابة بالإيجاب ، ويميل سواي للإجابة بالنفي ، ليظل الحراك الأدبي مشتعلا وثائرا ومؤثرا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق