عطر يبقى:
ذكريات الصالون الثقافى بعنوان (أزمة القراءة)، وضيف الصالون حينها الشاعر الكبير المنجى سرحان (رحمه الله)، جرت وقائع الصالون بتاريخ 13 فبراير 2009
في صالون ثقافي ناجح –
بفضل الله تعالي – تمت فعالياته بنادي مدينة السادس من اكتوبر شرفت بتنسيقه
وإدارته، ناقش موضوع أزمة القراءة، وقد شرفنا لمناقشة الموضوع ضيوف الصالون وعلي رأسهم الشاعر
الكبير المنجي سرحان عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر وقد تحدث عن الموضوع قائلا انه
موضوعا حيويا خاصة وهو يتعلق بوسائل الحصول علي المعرفة، خصوصا الكتاب الذي هو
الوسيلة المعرفية الأساسية وهو الملك المتوج علي عرش المعرفة، لكن حدث في الفترة
الأخيرة ان نافس الكتاب علي مكانته وسائل أخرى، وقدم دليلا علي ذلك من خلال إحصائية تم نشرها في مجلة
عالم الكتاب عام 1996م ذكرت أن نصيب الفرد في روسيا الاتحادية من المطالعة يصل إلي
7 كتب في العام وفي الولايات المتحدة الأمريكية 6.5 كتاب، أما نصيب الفرد العربي
فيصل إلي سطرين من كتاب فقط في العام، والكتاب هنا هو متوسط في حدود 160 صفحة، وقد أرجع الأسباب الأساسية لهذا الأمر هو ظهور الوسائل
التكنولوجية الحديثة وعلي رأسها الإنترنت، كما تحدث أنه نشأ في قرية كان الشباب
فيها يتنافس في القراءة، يقول "لم يكن هناك ما يلهينا عن القراءة"، كما
كانت هناك سلاسل ثقافية متاحة للجميع قدمت لهذا الجيل زاداً معرفياً، كما تحدث عن
صديقه الذي كان يزيل أجاباته في الإمتحانات بقوله "كان للقراءات الخاصة تقدير
خاص"، ومن الأسباب أيضا التي تحدث عنها غياب دور الأسرة في تغذية أفئدة
أبنائها بحب الكتاب، وأيضا ضعف الرسالة الإعلامية ووجود أشياء منها لا يمكن
توصيفها حيث تهدم أشياء كثيرة جداً، كما أننا شعب نامي نحتاج لتنمية أنفسنا ولا
نكتفي باخذ القشرة السطحية من الحضارة، وتحدث عن أسلوب الحل المقترح فشرح كيف يمكن
ان نستعيد قدرتنا علي القراءة ومن تلك الوسائل :
·
إصلاح المنظومة التعليمية لتنمية مواهب الأطفال الصغار.
·
إعداد المعلم المهتم بتثقيف تلاميذه.
·
ممارسة الأسرة لدورها كما ينبغي.
وقد علق ضيف الصالون الشاعر سامح القدوسي: أن الكتاب
المقروء قد تراجعت مكانته ونافسه الكتاب الإلكتروني ليس هذا وفقط بل تراجعت بصفة
عامة وسائل التثقيف، أما الشاعر منصور الذوق فقد صنع مداخلة ساخنة تحدث فيها
حول أن موضوع الأزمة الاقتصادية ودورها في أزمة القراءة هي شماعة نعلق عليها فشلنا
وقال ان المشكلة الحقيقة في قاطرة الثقافة نفسها حيث تحولت العملية من الإبداع إلي
كراسي يود أصحابها من المثقفين أن لا يدعوها، أما الباحث معتز محسن عزت فقد تحدث عن العلاج
بالقراءة وكيف أنها وسيلة حديثة يحتاجها الصحيح قبل المريض وأنها وسيلة مهمة. كما
تحدث عن الجوائز التي كان يرصدها الأغنياء لتشجيع الثقافة ومنها جائزة قوت القلوب
الدمرداشية والتي فاز بها نجيب محفوظ وعلي أحمد باكثير وغيرهم، أما د. محمد صالحين
نائب مقرر اللجنة الثقافية فتحدث أن الكلام إذا لم يترتب عليه عمل فهو بلا قيمة
وأشار لضرورة توفير الكتاب في كل مكان، أم مهندس صبري النجار مقرر اللجنة الثقافية
فتحدث عن كيفية غرس حب القراءة في الناس.
ثم تم ختام الصالون الزاهر بإلقاء السادة الشعراء محمد
عادل إدريس وهشام سلطان ومنصور الذوق وعادل عثمان وسامح القدوسي والأستاذ المنجي
سرحان بعضا من قصائدهم التي أمتعت الحضور ثم تفضل العقيد أشرف نائب مدير عام
النادي والمهتم بالأدب والذي قدم في الصالون أيضا مداخلة قيمة ومعه مهندس صبري
بتقديم درع النادي إلي الأستاذ المنجي سرحان كرمز تقدير من النادي لشخصه الكريم.
كما شرف الصالون بالحضور رئيس مجلس إدارة النادي مهندس
محمد طاهر ولفيف من السادة الكرام أعضاء النادي
وختاما أقدم لحضراتكم القطوف التي قمت بتقديمها كفواصل
بين الفقرات:
·
سئل " بزر جمهر " : ما بلغ بكتبك ؟ فقال : " هي إن سررت
لذتي ، وإن اهتممت سلوتي "
· وقال المصلح الكبير جمال الدين الأفغاني : " لا
تطيب نفس الإنسان إلا إذا علم بعض العلم " وطالما تحدثنا عن الأفعاني فلنعلم
أنه كان محبا للعلم مولعا به ، فكان يواصل الليل بالنهار في المطالعة والدرس وكان
لا ينام إلا والكتاب إلي جواره .
· وكان الفتح بن خاقان مغرما بالكتاب حتي أن الكتاب كان لا
يبرح أبدا حزامه أو طماق حذائه ( علي حد قوله هو ) حتي عند دخوله المغسلة .
· ومن الحيل العجيبة التي لجا إليها العالم "
السجستاني " انه كان يلبس أقمصة ذات أكمام واسعة جدا ليتمكن من حمل كتب ضخمة
بداخلها .
·
وكانت زوجة العلامة
" الزهرى " تقول " والله أن هذه الكتب لأشد على من ثلاث ضرائر "
، وذلك بعد أن ضاقت ذرعا بإقبال زوجها الكلى على كتبه الكثيرة والتي ملأت أركان
البيت ( كشأن أصدقاء الكتب ) ، ومثل هذه
المقولة قالتها زوجة الأديب الكبير " إبراهيم عبد القادر المازني "
عندما انشغل بمتعة القراءة عن ليلة عرسه ، وهو الذي كان يقول : " كنت قول
لأمي : لك مؤونتك من السمن والعسل والأرز والبصل والفلفل والثوم ، ولى مؤونتي من
المتنبى والشريف الرضى والأغانى وهازليت وثاكرى وديكنز وماكولى ، ولا غنى بك عن
سمنك وبصلك ولا بي عن هؤلاء "
·
والمازني نفسه نجده
يقول : " وأنا مع ذلك أقل الثلاثة
- العقاد وشكري – اطلاعا وصبرا علي التحصيل ، وأدع للقارئ أن يتصور مبلغ
شرههما العقلي ، ولا خوف من المبالغة هنا ، فإن كل ظني دون الحقيقة التي أعرفها
عنهما ، وأنا أجتر كالخروف ، ولكنهما يقضمان قضم الأسود ، ويهضمان كالنعامة ،
فليتني مثلهما !! "
·
أما أناتول فرانس
فيقول : " خير تعريف للكتاب في نظري أنه عمل من أعمال السحر ، تخرج منه
أشباح وصور ، لتحرك كوامن النفوس وتغير قلوب البشر "
·
ونعود مرة أخرى لنموذج
اخر فى العصر الحديث : وهو الأدباتي الأشهر " عبد الله النديم " – خطيب
الثورة العرابية – يعود فى صغره من كتابه بالاسكندرية ليساعد والده فى مخبز يبيع
فيه الخبز .. فكان يعمل ويستذكر دروسه ويداوم مطالعاته على صغر سنه فى كتب الادب
والشعر وذلك على ضوء جمار الفرن .
· وهذا آخر لم يمنعه العمى عن لذة الأدب والثقافة : " فى ملحق " عكاظ "
العدد ( 10262) فى 7-4-1415هـ ، مقابله مع كفيف يدعى " محمود بن محمد المدنى
" ، درس كتب الأدب بعيون الآخرين وسمع كتب التاريخ والمجلات والدوريات والصحف
، وربما قرأ بالسماع على أحد أصدقائه حتى الثالثة صباحا حتى صار مرجعا فى الأدب
والظرف والأخبار " .
·
وهذ ( هيوم ) يقول :
" لا أريد أن أنال فوق ما نلت ، عندي من الكتب ما يمنحني راحة النفس
"
·
وهذا ( ماكولي ) يقول
: " لو خيرت بين حالات عدة ، لآثرت حجرة صغيرة مليئة بالكتب "
·
وكلنا يعرف الأسرة
التيمورية وهى أسرة بكاملها من الأدباء الممتازين ، يقول عميدها " اسماعيل
السيد محمد تيمور الكاشف " : " أني لاستحي أن يقع في يدي كتاب ولا
أطالعه " فليستمع الأديب الذي يرنو نحو طريق الكتابة وعشق الأدب ، لا
تترك شيء دون أن تقرأه
وهكذا كانت صداقتهم لخير صديق – الكتاب ، فكيف
كانت صداقتنا ؟!
·
هناك العديد من
الإحصائيات تشير إلي ضعف مقدرة القراءة بل تصل إلي درجة العدم مع الأجيال الجديدة
منذ عقود مضت ، ففي صحيفة الأخبار الصادرة بتاريخ 13/10/2005م أنه في دراسة نشرها
مركز دراسات الوحدة العربية أفادت أن متوسط القراءة الشهري لدي المواطن العربي ربع
صفحة من كتاب في حين يرتفع هذا المعدل لدي المواطن الأمريكي لتصل إلي ( 11 ) كتابا
كاملا ، والبريطاني إلي سبع كتب ، ولعل هذا لايدهش بالمرة عندما نتم قراءة الخبر
حول أن نسبة إنفاق الدول العربية مجتمعة علي الأبحاث العلمية لا تتجاوز 1% بأي حال
من الأحوال من إجمالي ميزانياتها .
·
وتحدثت الأديبة
الراحلة نعمات البحيري مرة حول أزمة القراءة فقالت إن منتجي الأدب هم مستهلكوه ،
وياليت الأمر كذلك فبعض الأدباء يجمعون الكتب دون أن يطالعوها ولا يطالعوا حتى
لبعضهم البعض .