الوعى بالكتابة، والفعل الحاسم، وتثوير الثقافة في مدينة 6 أكتوبر
الناقد د. حسين حموده يناقش المجموعة القصصية (الذي كان) للقاص والناقد دكتور جمال التلاوي بمدينة السادس من أكتوبر
خالد جوده أحمد
في أمسية أدبية راقية ، تحت رعاية نادي أدب قصر ثقافة الحي السادس بمدينة السادس من أكتوبر، التابع لإدارة الفرع الثقافي بمحافظة السادس من أكتوبر برئاسة الأستاذة / إجلال عامر، تم مناقشة المجموعة القصصية (الذي كان) للقاص والناقد دكتور جمال التلاوي، بمركز شباب الحي السادس بمدينة السادس من أكتوبر، وقد شرفت بإدارة اللقاء، وناقش المجموعة القصصية الناقد د. حسين حموده، وشارك في المناقشة أيضا كوكبة من مثقفي وأدباء المحافظة، منهم القاص والناقد / محمد رفاعي (رئيس نادي الأدب)، والشاعر / عادل عثمان (عضو مجلس إدارة نادي الأدب بأكتوبر، والذي بذل جهدا كبيرا في تنسيق وترتيب اللقاء)، والشاعر / يسري توفيق، والشاعر / محمد اسماعيل، والقاص والكاتب / طلعت رضوان، والقاصة / هدي توفيق، وكثيرين آخرين من أعلام الفكر والثقافة بالمدينة.
وبدأ اللقاء بالترحيب بالسادة الحضور والتنويه بكون اللقاء هو من اللقاءات الأولي عقب ثورة يناير المباركة، وانه عبارة عن لبنه في بناء ثورة ثقافية حسب تصريحات الدكتور جمال التلاوي عقب الثورة : (أننا قادرون على خلق مصر جديدة, وتأسيس دولة ديمقراطية ... ونؤكد على حاجتنا إلى ثورة ثقافية متسقة مع ثورة 25 يناير يقودها أصوات مصرية شريفة)، وكان هذا القول ليس فقط تصريحا صحافيا، بل قولا وتأكيدا إبداعيا، حيث كانت المفردة الأهم في المجموعة والنافذة المضيئة إلي داخل هذه النصوص هو الحديث أن الخطوة الأولي بدأت، لكنها لم تنتهي بعد، وأن المسيرة متواصلة، يقول في قصته (إذا زلزلت الأرض): (ونبدأ الآن خطواتنا المقدسة، نقذف حجرا حجرا، يرفعون بعضنا إلي المقصلة، لكننا نتقدم أكثر، يأتينا صوتك (إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها)، حينئذ لا تراجع، تمتلئ الأرض بالدماء الخضراء، نتقدم أكثر، نتشرب بأعيننا وقلوبنا دماءنا الخضراء النازفة منا ..)، هذه الدماء المثمرة تبدو كأنها نبوءة القاص عن دماء شهداء ثورة 25 يناير البيضاء، هى في الوقت نفسه ذخيرة الثورة كى تواصل المسيرة نحو الحرية، فالقصص تدخل في نطاق أدب المقاومة، وهى تؤكد علي أن الخطوة الأولى قد بدأت، لكن هناك طريق طويل لابد من اجتيازه، يقول في خاتمة قصته ذات المقاطع الثلاث "قراءة في نص حجرى"، والتى تتناص في شغف مع تراثنا الروحى ممثلا في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام): (فعدنا للنهر وقررنا أن نملأه بدمائنا، حملنا لعبنا الصغيرة، بيوتنا التي تهدمت وأصبحت قطعا من حجارة، حملناها وبدأنا الخطوة الأولى)، وفى قصته "نغم" ذات الثلاث مقاطع أيضا: (كانت قد حددت ما تريده وبدأت خطواتها مسرعة ...).
ثم لزم التنويه أيضا بالسيرة الذاتية الأدبية المشرقة للضيف الكريم، فهو : أ.د / جمال التلاوى جمال نجيــب أحمد التلاوى، أستاذ الأدب الإنجليزى والأدب المقارن بكلية الآداب، جامعة إلمنيا، ولد فى 22/5/1959، المنيــا، عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب، ونادى القصة، كما عمل معدا للبرامج بالإذاعة والتليفزيون، كما شغل عدد من المناصب الثقافية الرفيعة منها رئيس لجنة فرع اتحاد كتاب شمال الصعيد، ورئيس نادى الأدب المركزى بالمنيا، كما كان عضوا فى هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة في الفترة من عام 1988، حتى عام 1998، كما كان عضوا فى أمانة مؤتمر أدباء مصر فى الأقاليم 2000:1986، ثم حصد ثقة جموع الأدباء باختياره عن جدارة كأمين عام مؤتمر أدباء مصر الفضي بالقاهرة 2010م، والتي تحقق من خلالها عدد من الإنجازات منها بدء الترجمة من الأدب العربي إلي لغات أخرى من خلال مظلة المؤتمر.وقد ساهم القاص إضافة لمناحى النشاط الثقافي في الكتابة الإبداعية والنقدية، من خلال مجموعة إصداراته القصصية وهي: البحث عن شىء ما، المنشور عام 1984، والفجر، المجموعة القصصية الصادرة في سلسلة إشراقات أدبية عن هيــئة الكتاب عام 1987، كما صدر له من الروايات روايته الخروج على النص، عام 1992، وروايته تكوينات الدم والتراب، عام 1999، اما الجانب النقدي فيشمل دراسات متعددة منها: تأويل النص الروائى 1999، المثاقفة 2006، أغنيات من موسيقى الجنوب، كما شارك بعدد من الترجمات الهامة منها: أن تواجه الشمس "شعر للشاعر الصينى آى كينج"، 1998، قصائد للحياة، مختارات من الشعر الصينى المعاصر 2001 ، فن الحرب، تأليف : سن تزو، 2006 ، كما نال الكثير من الجوائز وشهادات التقدير ودرع الثقافة الجماهيرية عام 1992، وغيرها، يتحدث عنه الكاتب محمد الحمامصي في السفير اللبنانية عام 2008 قائلا: (يعد الناقد جمال نجيب التلاوي أستاذ النقد الأدبي المقارن بكلية الآداب جامعة المنيا واحدا من أهم نقاد جيل الثمانينات في مصر، قدم للعديد من أعمال شعراء وروائيي وقصاصي الأجيال الجديدة، واستطاعت أطروحاته وآراؤه أن تثير جدلا واسعا في الوسط النقدي والإبداعي)، وعندما تم دعوة الضيف الكريم لقراءة نص من مجموعته القصصية، أحب بداية ان يشكر الحضور وأنه يشعر بالسعادة لوجوده بينهم، وأنه يرجو ان يكون الحديث عنه بصفته قاصا وليس بصفته ناقدا، وأن هذه الصفة تسعده لدي حضوره في مثل هذه الندوات لسماع آراء القراء والنقاد في منتجه الإبداعي، وانه يستشعر أهمية تثوير الثقافة لتؤدي دورها المنشود في الحياة، ثم أحب أن يستمع إلي الحضور المتفاعل مع قراءة المجموعة القصصية، لذلك قال انه يكتفى بقراءة المدون علي الغلاف الأخير من المجموعة ومنه: (حين تدلي الرأس فوق الجسد، الذي كان منتفضا، كان تاريخا جديدا يكتب، وتاريخا ينتهي ... حين تدلي الرأس، كان الفاعل يشرب من دمنا نخب سعادته .. وكان أصحاب الكراسي والعروش يهرولون نحوه يقدمون قرابين لحيواتهم .. يملأون كأسه من دمنا).
وكما ذكر الناقد د. جمال التلاوى في بحثه المعنون (ضوابط الكتابة النقدية بين المنهجية والانطباعية – النقد الأدبي بين منهجية اللامنهج ولا منهجية المنهج)، المنشور عام 2001م، عن كون (أن الجامعة هي موطن المنهج النقدي، وأن الدراسات التي يكتبها أساتذة الجامعة نوعان: النوع الأول أطروحات علمية وأبحاث الترقية، والنوع الثاني هي إسهامات الأساتذة النقاد في الحياة الادبية والنوع الثاني هو المحرك للحياة الثقافية، لكن مشكلته ان من يقوم به عدد قليل بالنسبة لكم الإبداع الذي يريد متابعته، وهؤلاء هم اصحاب الجهد الحقيقي والنهضة الحقيقية، بما يوجب ضرورة خروج أكبر عدد منهم – خاصة المجتهدين – من وراء أسوار الجامعة للمساهمة في الحياة الأدبية ولإرساء المنهج الغائب في كثير من الأحيان)، ومن هذه الكلمات جرى تقديم الناقد المتميز د. حسين حموده، باعتباره واحدا من هؤلاء الذين ذكرهم د. جمال التلاوى ووصفهم بقوله: أنهم صانعوا النهضة الأدبية الحقيقية، فهو أستاذ بقسم اللغة العربية ، جامعة القاهرة ، منذ عام عام 1992، وهو أحد الوجوه النقدية المتألقة في محافظة السادس من أكتوبر، والذي يقطن بها، ويساهم في فاعلياتها الأدبية والثقافية بفاعلية، وأنه كثيرا ما يكون ضيف رئيس لمناقشة أعمال أدباء المدينة، ولم تكن مساهمته في الأنشطة المحلية في محافظته وفقط، بل هو يساهم في الحياة الثقافة والأدبية بأوفي نصيب، وله عدد من الدراسات النقدية الهامة، ويتسم ناقدنا الكريم بالجدية الشديدة والإخلاص النادر لعمله، فلم يحدث مرة ان حضر دون أن يكون معه عشرات الأوارق البيضاء بلا سطور وقد دون عليها بخط يده منسقة في أجزاء وعناصر مترابطة يقدم بها علما وافرا ورؤية نقدية ثاقبة، لذلك يترقب الجميع دائما نقداته لأننا نعلم ثاقب فكره النقدي المؤسس علي رؤية علمية وجهد في البحث وعدم إطلاق عبارات محفوظة بل جهد يقوم ببذله مع كل دراسة ومناقشة، وكعادته تلك شرع في مناقشة المجموعة القصصية من خلال عشرات الأوراق البيضاء المنسقة والمرتبة حسب عناصر مستفيضة استقاها من قراءة متبحرة في المجموعة القصصية (الذي كان)، وقبل شروعه في تقديم خلاصة مركزة من أوراقه، أشار أنه ليس مع فصل القاص عن الناقد هنا، حيث أن هناك حالة من الوعي بالكتابة، بدأت بتبويب المجموعة حسب الدلالات الفنية، والتي تشير إلي قضية (الأديب الناقد) وكيف يصدر عنه عمله الأدبي في ظلال من تلك الحالة (الوعي بالكتابة)، ثم تحدث الناقد عن نقطة البدء التي هي في الوقت نفسه نقطة الختام وهي عبارة (الذي كان) ، وان هناك نوعا من التنظيم الدلالي المرتبط بهذا الوعي بالكتابة، كما أكد علي حضور الزمن في العنوان، وأماكن متفرقة من المجموعة وضرب لها شواهد متعددة، ثم تحدث عن التناولات الأساسية من خلال البنية في المجموعة، والفعل الحاسم الانقلابي، واللحظة التي يتم اكتشافها والتوقف عندها باعتبارها اللحظة الدالة، ثم بدأ في تغطية مناحي متعددة من المجموعة في أسلوب شائق وممتع وعلمي في الحين نفسه، مما حصل به علي استحسان الحضور، وكانت المداعبة منهم أنه ينبغي أن يكون الناقد الكريم هو آخر المتحدثين في الندوات القادمة، نظرا لكفائته النقدية والتي تغطي أغلب الموضوع المناقش، في وقت قصير، وبما لا يترك لمعقب ورائه سوى الإعجاب بما قاله والطواف حول معاني كشفها في المجموعة القصصية، وبالرغم من ذلك، وحيث أن للناقد بصفه عامة أكثر من قراءة أولها قراءة التذوق، يقول الناقد د. محمود الربيعى: (الأصل ان الناقد واحد من بين القراء، لكنه قارئ مدرب تكونت لديه خبرات كمية ونوعية بالنصوص الأدبية)، بالتالى يجب دائما أن يثق المبدع بذكاء القارئ، فيلقي له المفاتيح المتعدده في أفاق النص الإبداعي، ويتركه بعد ذلك ليمارس التاويل والاكتشاف اللذيذ، يقول د. جمال التلاوى: (من العيوب عدم ترك الفرصة للقارئ للحكم علي شيء أو تاويل شيء بل ينحاز الكاتب من البداية ويعطى أوصافه التقريرية الحاسمة)، ويقول: (يجب ترك القارئ ليكتشف فنيات الكتابة لدى المبدع من خلال قوانين النص، ومن داخله، دون نعمد وضع القارئ في موقف حرج، وعدم الفرض علي القارئ لفهم يريده الكاتب دون ترك الفرصة له للتفكير والتأويل)، ويقول:(إن الفن ايحاء وتلميح وليس صراخا وتصريحا)، ويقول: (أنا أتصور أن مهمة النقد الأدبي الأساسية هي تأويل النصوص الأدبية، وأتصور أن أي منهج نقدي عليه أن يؤدي إلى تأويل النص الأدبي وبالتالي ربما تكون التأويلية هي أقرب الاتجاهات النقدية التي أتعامل معها)، والقول الأخير مقتطف من حوار أجري مع القاص والناقد عام 2008، الآن ومن هذا المنحى مارس الحضور التأويلية في أفاق النصوص القصصية، فتحدث الشاعر / يسرى توفيق، والشاعر / محمد اسماعيل، وأنصب حديثهما حول أن القصص كانت تستشرف المستقل، وتنظر إليه بثقة وأمل، ثم بدأ الضيف الكريم بالتعقيب ذاكرا قطوف حول قضية الوعي بالكتابة لدي المبدع والناقد وقدم شواهد لها من كتابات أشارت إليها، وأدباء مارسوا النقد والإبداع معا، ثم تحدث عن استشراف النصر في مجموعة القصص من خلال تعقيب د. محمد على سلامه (وهو صاحب كتاب "الخروج علي النص – جدلية النص والواقع – قراءة في أدب جمال نجيب التلاوي")، حول إبداع القاص، في حوار مناقشة جرت قبل أحداث الثورة المصرية، قائلا له: "لا أعرف من تأتي بكل هذا الأمل في قصصك، رغم واقعنا المتردي؟!!"، وحيث تحتل علامات الترقيم أهمية في القصة لدي الناقد القاص، طبقا لقوله: (أدوات الترقيم حيلة يلجأ لها الكاتب كنوع من التحديث بشرط أن يكون مبررا من الوجهة الفنية وله وظيفته السياقية السردية في مجال القصة والرواية)، نقتطف خاتمة قصته الأولى في المجموعه "الطائر الذي كان": (صوته يعلو ............... يخفت ............... يعلو ............. يخفت ....... يعلو ..... حتى اختفت ... وإلي الآن صوته الحزين يعزف ليل نهار ... دون توقف .... اغانيه الشجية ...)، ونأمل دائما أن نستمع دائما من أديبنا الكريم نصوصه الشجيه.
ورغم ختام الندوة الثقافية في القاعة، فقد استكمل الحضور الحديث والحوار بعد ذلك في لقاء ودي جميل، اشتمل أيضا حديثا متصلا حول الأوضاع السياسية في مصر الحبيبة، وحوار حول التعديلات الدستورية بين مؤيد ومعارض، لكن هذا لم يكن يفسد أبدا قضية الود بين من كانت الثقافة تجمعهم، والفكر دأبهم ومنوالهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق