صدر هذا العام فى معرض القاهرة الدولى للكتاب ، الكتاب الأول للباحث والأديب حاتم الجوهرى ، بعنوان : خرافة الأدب الصهيونى التقدمى ، وتصدر الطبعة الأولى من الكتاب عن دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة ، بتقديم وتصدير أ . د أحمد عيداللطيف حماد ، و د . عمار على حسن ، ، وهذا برومو لعرض الكتاب تقدمه دار الهداية ، التى تقع فى ش أمين سامى المتفرع من القصر العينى ، هاتف 01223248789 – 0146171247
خرافة الأدب الصهيونى التقدمى
نقد رؤية أدباء "الصهيونية الماركسية " للصراع العربى الصهيونى
من خلال الشاعر يتسحاق لاءور فى ديوانه " مدينة الحوت " نموذجا
تأليف / حاتم الجوهرى
الباحث بدرجة الدكتوراة فى الأدب العبرى الحديث
تقديم وتصدير
أ . د . أحمد عبداللطيف حماد د . عـمار عـلى حـسن
دار الهداية
هذه المقدمة انما الهدف الأساسي منها هو التقديم لهذا الكتاب الهام الذي يركز فيه الباحث على نقد خرافة أن هناك أدبا في اسرائيل يمكن أن ينتقد التوجهات الأيديولوجية للدولة .. وما يضفي قيمة أيضا على هذا الكتاب هو تضمينه ترجمة كاملة للديوان حتى يقف القارئ على الأعمال الأدبية نفسها ، وقد يدفعنى هذا الى القول أن الدراسات الإسرائيلية في مصر ما زالت في حاجة الى المزيد من الترجمات عن العبرية ، ليس من قبيل الترف العلمي وإنما من قبيل اعرف عدوك، خاصة وأن هذا الآخر لا يترك شاردة ولا واردة في الأدب العربي الا وترجمها وعكف على تحليلها ودراستها ، إيمانا بأن العمل الأدبي إنما هو انعكاس للواقع الاجتماعي والفكري والسياسي لمن أنتجه. وجاءت الترجمة دقيقة وسلسلة تحمل الكثير من جماليات الشعر ، خاصة وأن مؤلف الكتاب يحمل في داخله أديبا متميزا لم ينل حظه بعد . لقد عرفت المؤلف حاتم الجوهرى خلال مناقشتي له في رسالته التي قدمها للحصول على درجة الماجستير. ولمست في رسالته ومن خلال المناقشة أنني أمام باحث واعد له مستقبل في دراسات الأدب العبري في مصر. فهو من الباحثين القلائل الذين استطاعوا بلورة موقف ورؤية نقدية خاصة ، من خلال معرفة واسعة بأنماط الأدب والفكر العبري في العصر الحديث ، ومن خلال منهجية واضحة أتاحت له أن يعرض أفكاره بوضوح تام ، وعمق جدير بأن نقف عنده لنتأمل طرحه.
أ.د أحمد عبد اللطيف حماد
من هذا المنطلق تأتي أهمية دراسة الباحث القدير حاتم الجوهري التي وسمها بـ"خرافة الأدب الصهيوني التقدمي" لترمم الشروخ التي لا تزال متواجدة في كثير من الدراسات العربية حول الأدب الصهيوني، وتزيل كل ما علق في الأذهان من أوهام حول إمكانية أن تكون هناك نزعة تقدمية أممية وإنسانية في هذا الصنف من الأدب، وتفضح هذا اللون من "الاحتلال الناعم" الذي يقوم به الصهاينة لعقول "الأغيار" من مختلف الثقافات والحضارات والديانات والمذاهب، وتُجلي الروابط والارتباطات الخفية بين الأدب الصهيوني ، وكثير من نظريات وتمثلات وتطبيقات ما بعد الحداثة في الفنون والآداب والأفكار والفلسفات ، التي تسربت إلى الأوساط الأكاديمية في العالم وأوجدت، مع مرور الأيام، منساقين وراءها، ومدافعين عنها، وراغبين في ترسيخها وتعزيز دورها. ولم يكتف الباحث في دراسته المهمة، بالجوانب النظرية بل التقط بعناية ودراية فائقة واحدا من الأدباء الذين ينتمون بقوة إلى هذه الظاهرة وأخضع إنتاجه لاختبار المقولات والافتراضات التي تبنتها الدراسة ، ألا هو الشاعر يتسحاق لاءور . ولعل دراسة الحالة تلك أعطت البحث عمقا، ومكنته من إيجاد البراهين الناصعة والحجج الساطعة على التصورات التي انطلق منها، والتي لم تخف كراهية وغيظا وعداء لظاهرة "الأدب الصهيوني التقدمي" الملغزة والغامضة والمسكونة بالتوجس والخطرة.
د. عمار على حسن
نزعم أن فكرة وجود أدب صهيونى تقدمى وآخر رجعى ، هى فكرة خرافية ، أسطورة أخرى من أساطير الصهيونية العالمية – بأجنحتها المتعددة – نجحت فى الترويج لها وتدشينها بكل ذكاء وحنكة وخبرة سياسية وفكرية وأيديولوجية ، إن فكرة الأدب الصهيونى التقدمى ، تشبه فكرة الاحتلال اللطيف !! الاحتلال التقدمى !! هل يمكن للإنسان أن يقبل بوجود محتل لطيف وآخر سمج ! هل نفتح ذراعينا للاحتلال التقدمى ذى الديباجات المادية والدياليكتيه ، ونرفض الاحتلال القائم على ديباجات دينية عرقية !
المؤلف
د। عمار على حسن
فهرس الكتاب
تقديم : أ. د. أحمد عبداللطيف حماد
تصدير : د. عمار على حسن
توطئة المؤلف :
الفصل الأول : الكشف عن جذور ومبادئ "الصهيونية الماركسية" وخرافة التقدمية
المبحث الأول : حول نشاة اليسار اليهودى والصهيونية
المبحث الثانى : ظهور أيديولوجيا الصهيونية الماركسية
المبحث الثالث : تجليات الصهيونية الماركسية قديما وحديثا ومستقبلها
الفصل الثانى : البناء النظرى للأدب الصهيونى
المبحث الأول : المرجعية الفكرية للأدب الصهيونى ....................................
المبحث الثانى : التطور التاريخى للفكرة الصهيونية فى الأدب العبرى المعاصر .............
المبحث الثالث : أدب اليسار الصهيونى بين اليسارية والصهيونية ........................
الفصل الثالث : الشاعر والطرح السياسى الملتبس
المبحث الأول : النشأة وعوامل التكون ...............................
المبحث الثانى : المواقف السياسية وتشوه المفاهيم .........................
المبحث الثالث : مشروعه النقدى والأدب الأيديولوجى ..........................
الفصل الرابع : توظيف الشاعر لآليات ما بعد الحداثة بين السياسة والفن
المبحث الأول : الصهيونية وما بعد الحداثة ....................................
المبحث الثانى : الأساليب الشعرية ودلالاتها السياسية ....................................
المبحث الثالث : اللغة وآليات التأثير فى الجمهور ..............................
الفصل الخامس : " الصهيونية الماركسية " عند الشاعر بين الاتساق والخرافة
المبحث الأول :رؤيته للأيديولوجيا والعرب و المؤسسة العسكرية :
- البحث عن دور المعارض وربط الصهيونية بالغرب الرأسمالى المستعمر ............
- إستحضار صورة العرب كضحايا والقفز على فكرة الحق والعدل ...........
- رفض المؤسسة العسكرية راعية الصهيونية فى صورتها غير التقدمية .............
المبحث الثانى : رؤيته للموروث اليهودى والإله والأرض واللغة العبرية :
- تفكيك الموروث اليهودى بحثا عن رواية إنسانية تعايشية لا تتخلى عن المشروع ......
- نقد إله إسرائيل والبحث عن مرجعية أخرى ............................
- دلالة الإغتراب المكانى والنظرة للأرض كمصدر للخراب والصراع ..............
- الربط بين اللغة العبرية والصهيونية العنصرية ...................................
المبحث الثالث : رؤيته للذات والمرأة والابن :
- لحظات الإعتراف بالهزيمة مع غياب القدرة على إيجاد البديل ................
- التقليل من قيمة الحب والحضور العام لصورة المرأة / الجسد ............
- أدب الوصية الموجه للابن والقلق على مستقبل المشروع الصهيونى ........
الخاتمة ........................................... ...............................
ملحق : الترجمة الكاملة لديوان مدينة الحوت
مراجع ومصادر الدراسة
التعريف بالمؤلف
توطئة المؤلف
-1-
أيديولوجيا " الصهيونية الماركسية " فى المشروع الصهيونى ، هى موضوع من أكثر الموضوعات الشائكة فى هذا المجال ، وهى فى نفس الوقت من أكثر التابوهات انتشارا أيضا وسطوة على العقل الغربى ، وعلى بعض رجال اليسار العربى فى الوقت نفسه ! فما هى مسوغات التعيين النظرية التى قدمهما هؤلاء ليقبلوا فى حظيرة اليسار العالمى المفترضة ! وهل هناك من وقف على هذه الأسس الفكرية بالنقد والتحليل ، دون الاكتفاء بالتهليل لمجرد وجود صوت مختلف – بعض الشئ – فى ذلك المشروع العنصرى الاحتلالى ، وكيف تم المزاوجة بين : الصهيونية كفكرة عنصرية قومية وبين : الماركسية كفكرة إنسانية عامة ، اتفقنا أو اختلفنا معها ومع أطروحاتها المفترضة ..!
نزعم أن فكرة وجود أدب صهيونى تقدمى وآخر رجعى ، هى فكرة خرافية ، أسطورة أخرى من أساطير الصهيونية العالمية – بأجنحتها المتعددة – نجحت فى الترويج لها وتدشينها بكل ذكاء وحنكة وخبرة سياسية وفكرية وأيديولوجية ، إن فكرة الأدب الصهيونى التقدمى ، تشبه فكرة الاحتلال اللطيف !! الاحتلال التقدمى !! هل يمكن للإنسان أن يقبل بوجود محتل لطيف وآخر سمج ! هل نفتح ذراعينا للاحتلال التقدمى ذى الديباجات المادية والدياليكتيه ، ونرفض الاحتلال القائم على ديباجات دينية عرقية !
وما هى العلاقة بين ما يسمى بأدباء " الصهيونية الماركسية " المزعومة وبين أفكار وتطبيقات : ما بعد الحداثة فى الفكر والأدب ، وهل كان هذا الفصيل المزعوم ، حقلا خصبا للتفاعل مع تجليات ما بعد الحداثة وأفكارها عن التجاور وقبول الآخر ..!! وما هى القيم المسكوت عنها فى الأدب الصهيونى المسمى : أدبا تقدميا !
كانت اهمية الدراسة أيضا لمعرفة أبعاد ظاهرة أدباء " الصهيونية الماركسية " المتصاعدة ، بقيادة الشاعر : يتسحاق لاءور وصعودهم المتزايد عالميا ، ومعرفة العوامل والروافد التى تغذى هذه الظاهرة وتؤثر فيها ، والتى مكنت أصحابها من اعتلاء تلك المكانة الدولية المتنامية ، كما تهدف الدراسة أيضا لتفكيك وتحليل وتتبع الجذور التاريخية لما يسمى بتيار " الصهيونية الماركسية " الذى ينتمى إليه الشاعر ويتزعمه أدبيا ، ومعرفة العلاقة الفكرية بين هذا التيار الصهيونى والفكر الماركسى عامة ، وذلك دون أن تتجاوز الدراسة نطاقها لتنقد أو تتتخذ موقفا من ذلك الفكر الماركسى فى حد ذاته – لآن ذلك ليس مجال الدراسة ولا موضوعها -ولكن الدراسة سوف تكون مهتمة ببحث العلاقة بين هذا الفكر الصهيونى وبين ما يرفعه من شعارات ماركسية ، لتصل لحكم ، ينفى أو يثبت فى خاتمتها ، انتماء هذا الفصيل الصهيونى لذلك الفكر الماركسى ، فهدف الرسالة فى هذه النقطة هو إثبات صهيونية هذا الفصيل ( واختبار هذا الفرض ) ، وتجريده من خرافة الانتساب للفكر الماركسى اليسارى العالمى ، مع تحفظ الباحث على الأطروحات الكلية التعميمة للفكر الماركسى ذاته ، ولكن هدف الدراسة وفرضها الذى تختبره فى هذه النقطة ، هو كشف صهيونية هذا الفصيل المطلقة ، ونزع الغطاء الماركسى أو اليسارى عنه ، دون أن يعنى ذلك أن الدراسة تعلى من شأن هذا الفكر أو ذاك .
نزعم – على حد علمنا - أن هذه من أولى الدراسات والأبحاث المبكرة فى موضوعها ، والتى تقدم تحليلا لأيديولوجيا : "الصهيونية الماركسية " عند أدباء وشعراء الاحتلال الصهيونى ، ومن خلال أحد أشهر نماذج هذا التيار الصهيونى ، مع دراسة أدبية تطبيقية على واحد من أهم الدواوين السياسية له ( وهو ديوان : مدينة الحوت ) ، ساعين لاختبار وتحليل والوقوف على : أصل ومرجعية الشعارات الكبرى التى يرفعها هذا التيار ( الذى يقول زعما بالانتماء للماركسية )
- 2-
يدور " موضوع الدراسة " حول -وتتخذ نموذجا له - الأديب والشاعر : يتسحاق لاءور أحد أهم أقطاب أدباء ما يسمى : اليسار الصهيونى المعاصر ، والذى لا يحسب فقط على ما يسمى : اليسار الصهيونى التقليدى ، وإنما يعد حاليا فى دولة المشروع الصهيونى ، أبرز رجال ما يسمى : " اليسار الراديكالى " أو ما يسمونه : " اليسار اللاصهيونى " .. ! الذى يعرف فى الأدبيات الصهيونية بتيار " الصهيونية الماركسية " ، إذ يقول هذا الشاعر بأنه يمثل الأدب الأيديولوجى فى " إسرائيل " ، أو ما يسمى فى الأوساط الصهيونية والعالمية : أيديولوجيا " الصهيونية الماركسية " فى الأدب الإسرائيلى ، وهى الفكر الصهيونى .. الذى يدعى الجمع بين فكرة : الوطن القومى لليهود فى فلسطين ، وبين : الانتماء للفكر الماركسى عامة ، وهو الشاعر الذى أسس - منذ سنوات قليلة - مجلة فصلية تحت اسم : " مجلة ميتعم " مجلة للفكر الراديكالى ، والتى سرعان ما أصبحت المنبر الأول لأدباء ومفكرى ما يسمى : " اليسار الماركسى " فى دولة المشروع الصهيونى ، وأصدر فى عام 2009 م كتابا باللغة الإنجليزية بعنوان : " خرافة الصهيونية الليبرالية " .
لم يكتف هذا الشاعر بكونه رمزا أدبيا ، وثقافيا فحسب ، بل كان له دور يعتمد على قدرته التنظيرية ، جعله يرتبط تلقائيا بما يسمى : تيار " ما بعد الحداثة " ، و " ما بعد الصهيونية " فى الدولة الصهيونية ، كما استطاع الشاعر أن يؤسس لنفسه مكانة عالمية فى الأوساط ، والمؤتمرات الثقافية الدولية ، التى أصبح ضيفا معهودا عليها ، باعتباره من مناهضى الصهيونية داخل دولة المشروع الصهيونى ، وأنه من مناصرى الحقوق الفلسطينية .. ! كما استطاع أن يقدم نفسه – داخل حركة اليسار العالمى – على انه من دعاة فكرة الماركسية العالمية ، واستطاع أن يقفز – فى أذهان الكثيرين ومنهم بعض العرب – على هويته كصهيونى ينتمى لأحد الفصائل الصهيونية الرئيسية والتى شاركت بالدور الأكبر فى احتلال الأرض العربية الفلسطينية وإقامة الدولة الصهيونية .. ! كما أخذ مجموعة من المواقف الأدبية والسياسية ( المناهضة للسياسات الرسمية لدولة المشروع الصهيونى ) والتى قد تجعل البعض يحار فى تصنيفه ، وتختلط عنده معايير الحكم عليه ، بين الفكرة " الماركسية " وبين : فكرة المشروع الصهيونى لليهود .. على اعتبار أنه يقول : بالجمع بينهما وفقا لأفكار من يمكن أن نطلق عليه نبى " الصهيونية الماركسية " ، المفكر الصهيونى الروسى : " دوف بيير بورخوف " .
وقد رفع الشاعر فى قصائده بعض الشعارات التى قد تبدو معادية – من زاوية ما – لبعض ممارسات الدولة الصهيونية ، و بعض الشعارات ، التى قد تبدو – من زاوية ما أيضا – مناصرة للفلسطينيين ، ومن هنا كانت سعت هذه الدراسة للوقوف على مدى صحة هذه الشعارات ، وتحليلها تحليلا أدبيا ونقديا متعمقا ( من خلال دراسة المضمون الشعرى فى قصائده ) ، ومعرفة منظومة القيم والمبادئ التى تحكم الشاعر وهل هى منظومة قيم متسقة ومقبولة منطقيا ؟! أم أنها منظومة قيم ومبادئ مشوهة قد تجمع فى داخلها الأضداد ؟! من هنا أيضا كانت " إشكالية الدراسة " التى تختبر فكرة اتساق القيم عند الشاعر ، ومدى تحققها من عدمه ، وهل الشاعر يملك رؤية أو منهجا كليا شاملا للتعاطى المنصف مع الصراع العربى الصهيونى من جميع جوانبه ؟ أم أنه يستخدم منهجا جزئيا غير متسق ؟! ( يتناول بعض الحقائق والموضوعات ، ويسقط ويهمل بعضها الآخر ) .
و يرجع سبب اختيار الموضوع فى المقام الأول ، إلى ضرورة الوقوف على ادعاءات وشعارات ما يمكن أن نسميه : " آلة الثقافة الصهيونية المعاصرة " و الدور الذى تلعبه ، على صعيد تطبيع الوجود الصهيونى فى الأوساط الأكاديمية والبحثية – غير الرسمية – الدولية ، وهل هى حقيقة تعمل وفق القيم الإنسانية التى ترفع شعاراتها ، والتى يفترض أن تشمل قيم الحق ، العدل ، والحرية واحترام حقوق الشعوب ، أم أنها حركة ثقافية مزيفة ؟! ولها دور مكمل فى المشروع الصهيونى ؟! يعتمد على كسب تعاطف بعض القوى العالمية غير الرسمية ، من حيث إمكانية وجود صهاينة معتدلين ، وأن دولة المشروع الصهيونى ( إسرائيل ) ليست كلها شر .
أما عن سبب اختيار الشاعر : " يتسحاق لاءور " كنموذج لدراسة أدب فصيل الصهيونية الماركسية ، فيرجع للمكانة التى يحتلها فى دولة المشروع الصهيونى : " إسرائيل " ، هذه المكانة التى تشمل عدة أوجه متعددة هى : المكانة الأدبية ، الثقافية ، الشعرية ، النقدية ، الأكاديمية ، الصحفية ، الفكرية ، بالإضافة لكم الدعاية والشهرة التى يحظى بها على المستوى الدولى ، وبين بعض اليساريين العرب .
ووقع اختيار الدراسة على مجال الشعر ، كجنس أدبى دون غيره من الإنتاج الأدبى لـ" ليتسحاق لاءور " ، لأنه يتسم بوضوح الفكرة ، فيسهل استنتاج القيم والموضوعات منه ، كما أنه يعد وسيلة الخطاب الأدبى الأولى الموجهة للجمهور ، ويكون الشاعر حريصا فيه ، على أن تكون أفكاره واضحة ، ورسالته الأدبية مفهومة إلى حد بعيد .
ووقع اختيار الدراسة على ديوان : " مدينة الحوت " ، لأنه من أهم دواوين الشاعر السياسية والذى أصدره فى العقد الأخير ، فى ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية . صدر الديوان عام 2004 م ، و حصل على جائزة : "يهودا عميحاى " للشعر العبرى ، عن الديوان نفسه عام 2007 م ، بالمناصفة مع الشاعر : " يسرائيل نيتع " ، وأجمع معظم النقاد الصهاينة أن الديوان ، هو من انضج مراحل الإنتاج الشعرى السياسى لـ " يتسحاق لاءور " .
-3-
تتبع الدراسة المنهج التحليلى الوصفى بشكل عام ، متعاطية مع بعض مناهج النقد الأدبى الأخرى كلما تتطلبت الدراسة ذلك .
على أن تقوم فى الفصل الأول بعمل تتبع تاريخى ، لرصد تطور فكرة اليسار اليهودى منذ نشأته فى روسيا ومتابعة التحول الذى طرأ عليه ، حتى تبنى الفكرة القومية والصهيونية ، وسوف تقوم الدراسة فى السياق نفسه ، وعلى خط مواز بمحاولة رصد المبادئ الغامضة والمجهولة لتيار " الصهيونية الماركسية " ، و المبادئ الأساسية التى تحكم الشاعر ، الذى يقول أنه يكتب الشعر السياسى الموجه عقائديا .
و ترصد الدراسة فى الفصل الثانى البناء النظرى للأدب الصهيونى ، مع التركيز على أدب اليسار وتوجهاته ، و على تطور الفكرة الصهيونية فى مراحل الأدب العبرى المعاصر المتعاقبة ، وفى الفصل الثالث تهتم الدراسة بجمع كل المعلومات الممكنة عن الشاعر و تتبع مسيرة حياته ودوره فى المشروع الصهيونى ، و تصنيف هذه المعلومات وتحليلها والتعليق عليها ، للوصول إلى نتائج تتعلق بحياة الشاعر وشخصيته وفق السايق التاريخى الذى خرج منه ، والعوامل التى ساعدت فى تشكيل شخصيته بشكل عام ، معتمدة فى مصادرها على كتاباته النظرية ( السياسية والنقدية والصحفية ) ، وما نشر و كتب عنه فى المجلات الأدبية العبرية ، والدولية ، والنقد الذى وجه له ، وأرائه السياسية والفكرية والنقدية .
وتعتمد الدراسة على الديوان كمصدر أدبى لها فى الفصل الرابع والخامس ، فتهتم فى الفصل الرابع المتعلق بالشكل ، بالبحث عن نظرية أدبية لدى الشاعر فى سياق أيديولوجيته الماركسية الصهيوينة المزعومة ، أو مجموعة المبادئ والأسس الفنية التى يتبناها ، وتأثره – الذى يتحدث عنه نقاد الأدب الصهيونى – بالمسرحى الألمانى " بريخت " ، محاولين فهم وتحليل سبب الصلة المفترضة بين : " لاءور " وبين : " بريخت "، من خلال المقارنة بينهما فى عدة نواح تتعلق بالشكل ( وأيضا بالمضمون ) ، كما ستتعرض الدراسة لأثر أفكار ما بعد الحداثة على الشاعر ، وأيضا لأثر وعلاقة الشكل بالمضمون ، وللأساليب الشعرية المستخدمة من قبل الشاعر ، والصورة الشعرية و اللغة و القاموس الشعرى والإيقاع الموسيقى فى الديوان ؛ وفى الفصل الخامس تهتم الدراسة بفكرة منظومة القيم عند الشاعر ، و التوصل للخطوط العريضة للمضمون والرسالة الأدبية فى أشعاره ، مع محاولة الوقوف على فكرة الاتساق أو التوافق بين القيم التى يرفعها الشاعر ، وهل هى قيم متسقة وحقيقية ؟! أم أن هناك نوعا من التشوه والزيف فى بنائها العام والإطار الجامع لها ؟! لنصل للخاتمة والنتائج التى سوف تحكم فيها الدراسة على القيم والاتجاهات الفكرية والسياسية عند الشاعر .
و كانت أهم الصعوبات التى واجهت الدراسة هى محاولة التأصيل لفكرة " الصهيونية الماركسية " والبحث عن جذورها وتتبع تطورها ، لقلة المصادر التى تناولت هذا الفصيل ، على كثرة الكتب – نسبيا - التى تحدثت عن اليسار الصهيونى ، على الرغم من أن أفكار " الصهيونية الماركسية " هى الأب التاريخى لكل فصائل اليسار الصهيونى المزعومة ، واستمر إجراء التعديل والإضافة على هذه النقطة ، كلما توفر تحت يدى البحث مرجع جديد ، و تطلبت الدراسة خلفية معرفية كافية عن عدة محاور ضرورية ، منها : نظرية الأدب الاشتراكى ( الواقعية الاشتراكية ) ، الفكر الماركسى ، وأفكار وأطروحات الحداثة وما بعد الحداثة فى الأدب ؛ وفضلا عن استعانة الدراسة بالمصادر والمراجع العبرية والعربية ، استعانت بالمصادر الإنجليزية ( خاصة فيما يتعلق بمقالات الشاعر المنشورة فى المجلات الدولية) لأنها كانت متوفرة على مواقعها الأصلية باللغة الإنجليزية بشكل ميسر ومجانى وكامل ، على خلاف العديد من مقالات الشاعر فى جريدة " هآرتس " ، التى كان يتاح جزء صغير منها بالعبرية ، وكانت متوافرة أيضا – كاملة – باللغة الإنجليزية على موقع الجريدة .
وفى النهاية لا يسعنى سوى التقدم بخالص الشكر والتقدير إلى كل من ساهم فى خروج هذا العمل للنور ؛ سواء بالنصح أو التوجيه أو النقد أو الحوار أو الجدال ، من كل أصدقائى وزملائى وأساتذتى ، خاصا بالذكر أستاذي اللذان أشرفا على رسالتى للماجستير ، الأستاذ الدكتور / شعبان محمد سلام الأستاذ والمعلم القدير الذى تفتح وعينا على علمه ومعرفته الرحبة المتنوعة وتوجيهاته المنهجية الدقيقة ، والدكتور / يحيى محمد عبد الله أستاذ الأدب العبرى المساعد الذى كان دائما فى عون المؤلف وخير سند له صاحب الخلق الدمث والخصال الرفيعة والعلم الوافى الوافر ، فعزيز التحية إليهما ، وإلى الأستاذ الدكتور / جمال الشاذلى أستاذى فى مرحلة التمهيدى بجامعة القاهرة ، الذى كان لنقاشى وجدالى المستمر معه حول عدم منطقية وجود ما يسمى بـ : يسار غير صهيونى فى " إسرائيل " ؛ هو أساس هذا البحث ، ولأنه أول من اقترح على تناول الشاعر يتسحاق لاءور لاختبار أفكارى وفروضى ؛ ومن ثم تتبع الحقائق و الوصول للنتائج التى عرضتها فى هذا الكتاب ، حامدا الله على ما وفق البحث فيه ، ومستغفرا إياه طالبا العفو عما غفلت عنه ، فسبحان من له الدوام والكمال ، وطبع الباحث الجاد عن الحقيقة وأصل الأشياء هو الحذف والإضافة والسعى نحو الأفضل دائما ، ولو تركت نفسى على هواها لما أخرجت شيئا أبدا مما أكتب طمعا فى الأفضل ؛ فسبحان من له الكمال وحده هو العلى القدير العليم .
والله الموفق سبحانه عليه قصد السبيل
الخاتمة
كانت خرافة التقدمية ، أو ادعاء الجمع بين الصهيونية كمشروع خاص باليهود ، وبين الماركسية كفكرة إنسانية عامة ( لها المناصرون عبر العالم ) .. هى أسوأ وأخبث حيل آلة الثقافة الصهيونية المعاصرة والتاريخية ، فى محاولتها الالتفاف على الطبيعة العنصرية والاستيطانية للمشروع الصهيونى ودولته .. وفى خاتمة هذه الدراسة ، لا يسعنا سوى التحذير الجاد من الوقوع فى فخ الديباجات الماركسية التى يجيدها أهل الصهيوماركسية فى دولة " إسرائيل " ، والتى نجحت فى استقطاب العديد من رجال اليسار العالمى والعربى على حد سواء .. خاصة بعد أن كشفنا جذورها ودورها الرئيس كفصيل صهيونى رئيسى شارك فى وضع أدبيات وكلاسيكيات الفكر الصهيونى العنصرى وفى تنفيذها أيضا .. معتمدا على فكرة ( خرافة ) أنه احتلال تقدمى ماركسى ، جاء ليساوى بين العرب المغتصبة أرضهم وبين اليهود المضطهدين – حسب زعمهم - حول العالم !! وأنه ليس احتلال رجعى يعتمد على ديباجات وشعارات قومية عنصرية .. ولكن سرعان ما سقط رداء الماركسية عن هذا الفصيل الصهيونى ، وتحول مع الزمن للممارسات العنصرية .. ومن تمسك منهم ببقايا هذا الفكر لم يستطع مواجهة مشكلة البدايات ..، فى أن الصهيونية الماركسية لا تختلف عن غيرها من تيارات الصهيونية الفكرية ، وأنها ليست سوى ديباجة تبريرية لمشروع احتلال أرض فلسطين .
فكان من حيل أدباء ما يسمى : اليسار الماركسى المزعوم فى " إسرائيل " ، أو ما يسمى : اليسار الراديكالى ، ، هو التجاهل التام والتناسى المتعمد للاسم التاريخى لهذا الفصيل الصهيونى ، ومحاولة تصدير أنفسهم للعالم على أنهم مجرد فصيل ماركسى آخر يعادى السلطة الرسمية ( الرأسمالية ) فى دولته ، فلقد حرص الشاعر فى كتاباته النظرية و الأدبية ، ألا يتطرق نهائيا لاسم : " الصهيونية الماركسية " وتعمد تجاهله تماما ، حتى لا يراه العالم على حقيقته كتيار وفصيل صهيونى ليس إلا ، وحاول الشاعر فى كتاباته النظرية والأدبية أن يبدو وكأنه معادى للصهيونية الرسمية للدولة الصهيونية ، وحاول أن يدارى على حقيقة أنه لا يعادى الصهيونية ذاتها ، وإنما يعادى السلطة السياسية الحاكمة فيها الآن ، وأنه يقدم نفسه كفصيل سياسى صهيونى منافس لها ، فصيل سياسى يسعى للسلطة والحكم فى دولة المشروع الصهيونى ، ولا يسعى لتفكيك وجود دولة المشروع الصهيونى ، كما يحاول أن يروج لذلك بعض مثقفى وأدباء ما يسمى : " الصهيونية الماركسية ".
وخلصت الدراسة إلى أن أصل قيم ومبادئ وأهداف يتسحاق لاءور ورفاقه ، هى نفس قيم ومبادئ الفصيل الصهيونى القديم ( الصهيونية الماركسية ) ، والتى هدفها بالأساس لا يزال الإبقاء على الاحتلال الصهيونى لفلسطين وتبريره وتمريره باستخدام شعارات وديباجة ماركسية ، وكل غايتها تطوير نوع هذا الاحتلال ، ليصبح ما يمكن أن نسميه احتلالا تقدميا ، أو احتلالا اندماجيا مع أصحاب الأرض من الفلسطينيين ومن هنا فإن الشاعر كان كأنه يكتب بوعى مزدوج ، يكتب وعيناه تجريان فى اتجاهين مختلفين ، يكتب وإحدى عينيه على : فكره الصهيونى ، والعين الأخرى على : ادعائه الماركسى ، لتخرج لنا أفكاره ومبادئه فى حالة تشوه وحيرة وازدواج ، لكن أهم خطوطها الحمراء ، عدم مناقشة أو المساس بفكرة المشروع الصهيونى ذاتها ، أو وجود واحتلال اليهود لأرض فلسطين ، أى أن أهم خطوطه الحمراء هى فكرة الصهيونية ذاتها .
ولجأ لاءور - طوال الديوان - لحيلة واحدة ورئيسية ، هى أساس تناوله للصراع العربى الصهيونى ، تتمثل فى استخدامه لفكرة : المنهج الجزئى ، أى المنهج الانتقائى المحدود فى تناول الوقائع والأحداث ، حيث ركز على بعض جوانب وأبعاد الصراع العربى – الصهيونى بعينها ، وغض الطرف عن القضايا الأساسية ومشروعية فكرة احتلال اليهود لفلسطين ذاتها ، حتى يخدم هذا التناول محاولته الزائفة لتقديم نفسه كمناضل يسارى صهيونى ، متعمدا عدم النظر للصورة الكلية للأحداث ، أو تناولها بموضوعية وحرية وصدق ، يجب أن يتوفروا فى العمل الأدبى الذى يريد أن يكون حقيقيا ومتسقا مع الواقع ( وحتى متسقا مع ادعائه الانتماء للفكر الماركسى الثورى كما فى أدبياتهم ) ، لأنه إن فعل ذلك ، فسوف يكشف نفسه .
كما استفاد الشاعر من أفكار وأطروحات : ما بعد الحداثة ، واستطاع أن يتوحد أكثر ويتشابه أكثر مع الأدب العالمى واليسار العالمى ، يرفعه وتبنيه فى قصائده مجموعة من القيم مثل : العدمية والعبثية ، والشعور بالتشظى والتشيؤ ، والإحباط واليأس واللامبالاة والعادية ، كما أنه استفاد من التقنيات والآليات الشعرية المعاصرة ليقترب أكثر وأكثر من الأدب واليسار العالمى ، فاستخدم فى أشعاره تقنيات : كتابة اليومى والمعاش ، وما يسمى شعرية التقرير ، وأيضا كتابة التفاصيل والجزئيات الصغيرة ، واستطاع الشاعر الصهيونى أن يجذب أنظار الجميع بدهاء ، ليلتفتوا نحو فكرة : الرفض والمعارضة التى يرفعها ، دون أن يهتموا كثيرا بطبيعة هذا الرفض وحدوده وأهدافه ، التى لا تجعله ( ومعه التيار الذى يمثله ) ، سوى تيار صهيونى آخر يسعى للوصول للسلطة ، والدفاع عن وجود دولة " إسرائيل " ، ولا يسعى لإنهاء الاحتلال وإعادة الحقوق لأصحابها ، فهو على أقصى تقدير تيار صهيونى إصلاحى ( يسعى للتغيير من داخل المؤسسة الصهيونية ) ، وليس تيارا راديكاليا أو ثوريا ، يسعى لعمل ثورة متطرفة ضدها ، لأنه فى الأساس ليس ضدها ، بل فى حقيقة الأمر ، هو التيار الذى أسس البناء النظرى للصهيونية وأقام المستوطنات وأنشأ المليشيات المسلحة وقاتل العرب ، فهو ليس إلا فصيلا صهيونيا سقط من السلطة ، ويسعى للوصول إليها .
ومن الملاحظ : أن الشاعر تغيب عنه الأفكار الكبرى للأدب الإنسانى العالمى ، مثل : الحق والحرية والعدل ، وبدلا من ذلك حاول الشاعر أن يظهر قيم : التعاطف والتمرد والرفض ، بشكل هلامى ، حتى لا يواجه أسئلة الوجود الكبرى ، لمشروع عنصرى أقيم على فكرة الاحتلال والقتل والإرهاب ، التى لمسنا أنه كان يحاول أن يبدأ رؤيته للأحداث فى قصائده ، من حيث هى قائمة وموجودة بالفعل ، وليس من حيث هى بدأت تاريخيا . هو لا يسعى ولا يملك المقومات النظرية لتبرير ومناقشة فكرة وجوده فوق هذه الأرض ، بقدر ما يسعى لتقديم نفسه كصاحب وجهة نظر لحل مشكلة قائمة ، دون أن يكون معنيا بمحاولة الوقوف على تبريرها النظرى ، لمعرفته بعدم وجود مبرر ودافع ماركسى أيديولوجى صرف ، يدفعه ( كمنتم مزعوم للفكر الماركسى ) للوجود على هذه الأرض ، والدفاع المستميت عنها ، فهو يحاول أن يقدم نفسه فى صورة المناضل اليسارى الماركسى ، ضاربا عرض الحائط بكل المسلمات الماركسية .. ! فالأدب الماركسى لم يدافع عن مشروع عنصرى قومى أبدا ، ولم يربط نفسه بدولة لمجموعات متفرقة من الناس ، كل الذى أبقى على فكرة كونهم شعبا واحدا ، هو فكرة الاعتقاد ( الدين ).. ونستطيع أن نصوغ نتائج الدراسة كالتالى :
- أصلت الدراسة بالبحث العلمى ، مبادئ وأهداف وقيم " الصهيونية الماركسية " الغامضة والمستترة لحد كبير ، عند نبيها " دوف بيير بورخوف " المفكر اليهودى الروسى .
- احتوى البحث تحليل مضمون القيم والمبادئ والاتجاهات الفكرية والسياسية والإنسانية عند يتسحاق لاءور ، فى ديوان " مدينة الحوت " ، فثبت من خلال هذه القيم أن " الماركسية " ليست هى المعين الخالص الذى يستقى منه الشاعر قيمه ومبادئه فى الحياة ، ولكنه يحاول أن يتشبه بالماركسيين فى بعض النقاط ، حتى يبدو أقرب للماركسية ، ومن هذه النقاط التى قد تخدع البعض فى ماركسيته : موقفه من اليهودية ، وموقفه من الألوهية ، رؤيته المادية للمرأة كوعاء جنسى ، موقفه للرافض للتراث والتاريخ التقليدى عموما .
- تأكد للدراسة أن الشاعر يستخدم فكرة المنهج الجزئى ، أو المنهج الاجتزائى فى التعاطى والتعامل مع الصراع العربى الصهيونى ، والذى يركز فيه على بعض الجوانب ، ويسقط من حساباته البعض الآخر ، دون أن يلتزم بالموضوعية، ويكون علميا وصادقا فى تناوله لكل جوانب الصراع ، فلم تكن لدى الشاعر نظرة شاملة أو منهجا كليا ، يمكنه من رؤية كل جوانب الصراع ، ومواجهتها بصدق .
- كان لدى الشاعر العديد من المناطق التى يمكن أن نسميها : مسكوتا عنها ، ونستطيع القول : أن أهم الأفكار التى كانت غائبة عن الشاعر ، هى فكرة : القيم الكلية ، فللمرة الأولى ، نرى شاعرا يدعى الثورية والعمل السياسى ( وفقا للتصور الماركسى المفترض ) ، وتغيب عن منظومة قيمه ومحددات سلوكه ، أفكار الحق والعدل والحرية ، لأنه يعلم أنه إذا تعامل مع تلك القيم ، فسوف يكشف زيفه وادعاءه ، لأنه إذا اقترب من تلك القيم ودخلت فى نسيجه وطرحه الثقافى ، فسوف يكون مطالبا بأن يطبقها على الصراع العربى الصهيونى ، وهى المعادلة التى سوف يكون خاسرا فيها بالطبع .
- كانت أهم نقاط الضعف عند الشاعر ، غياب الحجة القوية أو المبرر لاحتلال فلسطين ( على اعتبار أنه يريد حجة ماركسية ليبرر مشروعه هناك ) ، فلم يكن الشاعر يقترب كثيرا من هذه النقطة ، والتى قد تكون هى أساس الشعور بالاغتراب وعدم التحقق عند الشاعر ، عكس فكرة مرجعية الوعد الدينى لليهود ، عند دعاة الصهيونية الدينية والقومية .
- كانت أهم ادعاءات الشاعر ، هى محاولته القفز على كل قضايا الصراع والتسفيه من شانها ( فلننظر موقفه من الأرض على سبيل المثال ) ، ودعوته لفكرة الإنسانية والتعايش بين المتصارعين ، دون أن يكون معنيا كثيرا برد الحقوق لأصحابها ، أو نوع هذا التعايش الذى يطالب به .
- حاول الشاعر أن يركز على فكرة الجانب الإنسانى للصراع ، فركز على كراهية فكرة القتل والدم ، ولكنه كان مزيفا وغير عادل ، حين لم يتبن فى تناوله ، فكرة من الجانى و من المعتدى عليه ، يريد أن يتعامل مع الدم كقيمة فى حد ذاته ( للمستوطن الصهيونى والمقاوم العربى ) ، بغض النظر عمن أراقه ودافعه ، فهو يعيش فى دائرة من الوهم والقيم المفتعلة ، التى لا تنظر لكل الحقائق ، بل تنظر لجزء منها ( وهذا خير مثال على فكرة المنهج الجزئى ) .
- كان الشاعر من خير المعبرين عن كتابة الحداثة وما بعدها ، بطبعها الذى قد يكون جاف وذهنى بعض الشئ ولديه صدمة من واقع الحياة المعاصرة ويعانى من حالة إغتراب راسخة مع الواقع ، وإعتمدت كتابته لحد بعيد على الرمز أحيانا وتصدير الواقع مباشرة أحيانا أخرى مستندا لفكرة السخرية والصدمة فى معالجة قضاياه ، و كان غير معنى بفكرة التخييل والصور الجزئية بنفس القدر الذى كان عند الشعراء الصهاينة أصحاب الكتابة الشعرية التصويرية أمثال : ( يهودا عميحاى – حاييم بياليك ) ، ، و وذاع صيته كثيرا بسبب توجهه السياسى الأيديولوجى والمواقف الفكرية التى تطرحها قصائده ، باعتباره ممثلا لتيار : " الصهيونية الماركسية " وأحد كبار أقطابها ، وكان تميزه – غالبا- فى قدرته على رصد وتوصيف بعض المواقف بدقة تشبه أصحاب الخبرة الطويلة فى الحياة ، وقدرته على تقديم مستويات من تلقى النص مستندا على وعى وثقافة عالية ، وكان أثر المضمون على الشكل وما فرضه عليه من متطلبات ، أقوى بكثير من جانب الشكل ، الذى كان اهتمام الشاعر به ينصب على قدرة هذا الشكل فى توصيل فكرته ( مضمونه ) بأسلوب واضح وجلى .
- وأثبت تحليل المضمون للقصائد الأدبية عند الشاعر ، أنه حاول أن يدارى على فكرة الصراع الفكرى الداخلى ( الناتج عن قصور الفكرة ) الذى كان واضحا فى قصائده ، عن طريق حيلة معروفة ومشهورة عند بعض المفكرين والسياسيين من أصحاب القصور فى البناء الفكرى أو العقيدة النظرية ، وهى كانت : حيلة المزايدة المستمرة ، أو التشدد والمغالاة والتطرف فى التمسك بأفكاره وادعاء الانتماء إليها ، وتصنعه الدفاع الزائد فى الدعاية لها ، حتى لا يلتفت الناس إلى ما أهمله وأسقطه من حساباته ، تسترا وراء قناع التشدد والمزايدة المفتعل .
التعريف بالمؤلف :
- حاتم الجوهرى ، باحث فى الصراع العربى الصهيونى ، يعد أطروحة الدكتوراة ، من مواليد الدقهلية 1975 م .
- شاعر يكتب القصيدة الفصحى منذ أواسط التسعينيات ، وديوانه الشعرى الأول تحت النشر حاليا .
- ناقد أدبى ، وله دراسات أدبية مطولة للعديد من الأدباء المصريين ، أمثال : شاعر جائزة الدولة التشجيعية : فريد أبو سعدة فى ديوانه "ذاكرة الوعل " ، والشاعر : إيهاب خليفة فى ديوانه " مساء يستريح على طاولة " ، والشاعرة نجوى سالم فى ديوانها " فراشات بلون الذاكرة " ، وشاعر العامية : يسرى توفيق فى ديوانه " جوه الجسد الضل " ، ويكتب المقالات الصحفية والعروض النقدية .
- مترجم عن اللغة الإنجليزية ، وعمل كباحث مترجم بأحد مراكز الأبحاث الإعلامية الخاصة .
- له مجموعة من الأبحاث والأطروحات الفكرية والأدبية لم تنشر بعد .
- عمل أمينا عاما لجماعة الفكر والأدب بجامعة المنصورة ( 1994- 1998 ) .
- عضو مؤسس بنادى أدب جامعة المنصورة أواسط التسعينيات .
- عضو مؤسس فى نادى أدب مدينة السنبلاوين .
- عضو بنادى أدب مدينة المنصورة .
- عضو بنادى أدب مدينة 6 أكتوبر .
- عضو مؤسس فى صالون " ملتقى الكتاب " الثقافى بمدينة السادس من أكتوبر 2011 .
- محاضر مركزى معتمد بالهيئة العامة لقصور الثقافة .
- عضو مشارك فى العديد من الفعاليات الثقافية الأخرى .
- بريد إلكترونى : EAGLE_WHITE_4EVER@HOTMAIL.COM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق