ملامح الوطن فى تجربة (محمد جودة)
العربى عبدالوهاب
يتم توظيف الشعر لصالح قضية الوطن برغم اعتماده شكلاً على القصيدة التفعيلية بميراثها الكبير ، فالصورة الشعرية تحظى باهتمام كبير لديه ، لكنها هنا الصورة الجزئية المتلاحقة والموسيقى العالية النابعة أيضاً من التفعيلة والجرس الموسيقي للمفردات والقاموس الشعري المتسع لمفردات (الوطن) [ الأيادي ، الجراح ، السارقين ، الناب ، عيونك ، قوتك ، شموعك ، عزيمتك ، كلمتك ، خطوتك ، اللجام ، اللوايح ، الأرض ، مستنيين ، العتمة ، الصيادين ، الموت ، الحياة ] .
بالإضافة للجمل الحماسية ، المرتبطة بالمجاهدة والمثابرة والاستشهاد ؛ ولتجمع هذا الكم من القصائد وبكل هذا الاجتهاد للتأثير أو الدق على تلك الوتيرة خاصة أن الأولاد والشهداء هم الصورة المثالية للتوحد والتحقيق مع فكرة الوطن لدى الشاعر قد يحيل الوطن والقضية إلى الأرض المحتلة مثلاً . قصيدة [ خطي ]
واحد يا واخد قوتك من قوة الواحد
يا اللي انت في وسط الميدان
عود قمح واقف في الغيطان
أخضر كما عود السريس
والدرس للنايمين على ودانهم
افتح عيونك يا عريس
الحور عوانس في السما
مستنيين يوم الخميس زي البنات
الخطوة القادمة المرجأة عند الجمع والممنوحة للولد وحده .. وسط الميدان .. هي الشهادة
يلي انت شايف جنتك خطي
الأرض بتبوس خطوتك
بينما صورة الجموع الفقيرة فهي دوائر مفتوحة على أصفار لا متناهية وكأنها صورة للعالم المشاهد لكم المذابح مع شاشات التلفاز ويشارك بصمته مع الجناة .
يا معشرين م السكات
يا مطبعين ع اللجام
لو تحبلوا واحد كلام
راح تبقوا شئ يا ألف صفر
ويجئ الشهيد بمفردة واحدة ، مستمداً عزيمته من عقيدته بالله الواحد .. ويخترق بواحديته الجموع / الأصفار ليقف كعلامة تعجب تخدش حياء العالم . وليقين الشاعر أن هذا الاختراق يعد عملاً أسطورياً فقد شكل ملامحه في عدة صور ذات ملامح مغايرة ـ نوعاً ما ـ لطول الأسطر وقصرها وفنيات الصور المتلاحقة في القصيدة . بما يعني دفعه بمبرراته الخاصة لاختراق حاجز الصمت .
ولأن رنة خطوتط طالعة ما تعرفش الهبوط
ولأن دايماً كلمتك راقية ما تعرفش السقوط
ولأن دايماً عزمتك شايلة ما تعرفش الحطوط
ولأنك انت مش ح اتمشي ع اللوايح والشروط
يبقى انت كان لازم تموت !!
لكن هناك جماعة صغيرة منتقاة من الجموع الصامتة ، جماعة تعكس ملامح جيل في قصيدة "بنموت وبتعيشوا" يواصلون مسيرة المجاهدة ، ويوجه لهم الشاعر قصيدته بنداءات تعنى التمجيد والتحفيز والتضامن الأيديولوجي.
يا للي النجوم ف العتمة عرفينكوا
يا للي التراب في الدوسة حاضنكوا
يا للي قتلتوا الطلقة بصدوركوا
يا للي زرعتوا الرعب في عيون اللي حاصدينكوا
…………
يا جيل بيبدر ألف جيل
يا حالبين ضرع القمر ومشربنَّا النور
يا صيادين الحور
يا ساكنين قناديل تحت عرش الله
موت الحياة .. ولا الحياة
لما بإيدك تزرع الأحلام في جيل ترسم خُطاه
فالقصيدة تعتمد في خطابها الشعري على عرض خيارين ( بقاء الحلم أم الجسد .. موت الحياة .. أم الحياة ؟؟! )
فاستشهاد جيل سوف يزرع الأحلام في أجيال قادمة ، ورحيل جيل لا يعني فناءه . إنما هو بدء لحياة جديدة في حواصل الطيور .. تعتمد القصيدة على الاحتماء بالمعتقد الديني وبتمجيد البطولة بتعدد ألوان شجاعتها فالرعب يتولد أمام صلابتهم وشجاعتهم في تحدي الموت وفي عيون قاتليهم .. والرصاصة المنطلقة لصدورهم تعود هي القتيلة ، إنها بكارة الصور وشحنها بطاقات فنية مؤثرة ولابد أن نلمَّح إلى أن الشاعر اعتمد على عدة طرائق في بناء قصيدته ك تكرار النداء .. تعدد صفات وألوان البطولة والشهادة وتوليد الأسطر من بعضها بفنية عالية مع الاتكاء على القافية التي تتوالد هي الأخرى مع تدفق القصيدة وتتبدل ، بحيث لا تمثل عبئاً أو غرضاً مقصوداً لذاته .. مع تقارب بل تجانس وتناغم المفردات التي تمثل حقلاً فنياً ودلالياً واحداً هو الوطن
يا عاشقين الوطن أحسن لنا نرجع
عشق الوطن جارح يا مجمعين الأيادي
طيش الرصاص طارح
يا معشمين في الصباح ييجي لكم أفراح
وعود طارح
السارقين اليوم ، سرقوا صباح بكرة
من أول امبارح
برغم استهلاك قضية أو موضوع الوطن ولكن التجربة هنا تعود إلى بكارة وبراءة الإنسان في إحساسه بالمكان الذي عاش فيه وأحس بدفئه وأحس أيضاً باستلابه أو سقوطه .. (محمد جودة) يعيد بحماسيته وخطابيته إمكانية أن يكون الشعر موجهاً لقضية ما دون أن يفقد جمالياته الشعرية وتأثيره الفني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق