الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

السياحة الثقافية وذاكرة الأمة

السياحة الثقافية وذاكرة الامة
خالد جوده


"خفف الوطء فما أديم هذه الأرض إلا من هذه الأجساد / وقبيح بنا وإن قدم العهد هوان الآباء والأجداد"
مقالة صدق صدح بها شاعر الزهد "أبو العتاهية" في الوعظ والإرشاد، وتحث علي التواضع والرفق، لكن الحقيقة انه أحق بها وأولي أن ُتقال لمن يسير في ميدان العتبة وشارع عبد العزيز، وشارع عماد الدين، وما أحاط بتلك المنطقة من شوارع وحارات، حيث أن هذه المنطقة كانت أصلا مقابر هائلة كمقابر الغفير والمقطم، ثم قام الخديو اسماعيل (باني القاهرة الحديثة) بجمع العظام المتبقية في هذه المقابر ودفنها في بئر سمي "بئر العظام"، والذي بني عليه مسجدا لاحقا سمي أيضا بمسجد العظام والكائن بشارع عبد العزيز، وقد ذهبت وبحثت عن المسجد حتى وجدته، وصليت فيه أحد الفرائض، هذه المعلومة القيمة هي نموذج لمعلومات أخري وردت في كتاب الكاتب "عباس الطرابيلي": (خطط الطرابيلي – أحياء القاهرة المحروسة)، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية، ثم ضمن فعاليات مكتبة الأسرة 2003، والحق أن مكتبة الأسرة 2002 أتحفتنا بكتاب سابق له علي نفس الشاكلة بعنوان (شوارع لها تاريخ – سياحة في عقل الأمة)، والكتاب الأخير كان بالفعل سياحة ممتعة في الماضي وكأنه آلة الزمن والتي تحركت عبر صفحات الكتاب إلي الماضي، مما كان دافعا لي لزيارة شارع المعز لدين الله الفاطمي والذي أشار الكاتب إلي أنه شارع ليس له نظير في العالم بما يضمه من آثار لستة عصور كاملة، ولا شك أن تلك الكتب نتنسم منها عظة الأيام والحوادث والتاريخ، والسياحة الثقافية هامة جدا لأبناء الوطن وممتعة غاية الإمتاع، ولا شك أن بمصر ثروة مهولة من التاريخ والآثار والحضارة، فتحت كل حجر في مدن ومناطق وقري كاملة قصة وحكاية وحضارة، لكن للآسف عندما قمت بسياحتي الثقافية داخلني الحزن العميق وأنا أري كم الأتربة والاضمحلال الذي حاق بهذه الآثار الرائعة لدرجة أني في مسجد قلاوون الكائن بمجموعة قلاوون وقد دخلته قدرأ، كان الحديد علي النوافذ يتفتت في يدي ويتحول إلي أتربة، ولاشك أن جعل منطقة مصر الفاطمية والأزهر منطقة سياحية كاملة يكون أمراً جيداً، حيث يجب رصد الأموال الطائلة، والجهود المتواصلة لجعل مثل هذه المناطق مزارات سياحية عالمية تشرح التاريخ، وتقدم الحضارة العربية والإسلامية بشكلها الآخاذ والمبهر، وللآسف فنحن نفتقد كثيرا وعي السياحة الثقافية، فالأجنبي الزائر شاهدته يحمل معه تلك الخرائط والكتب المفصلة والشارحة لمواقع زيارتهم، حتى يتوقفون ميلا للرؤية والدراسة والتطلع ثم تصفح الكتب والنشرات والتأمل، وليس سائحا واحدا أو اثنان، بل جميعهم بلا استثناء، بينما نحن نسير بلا أدني اهتمام، وكأننا غائبون عن الوعي والتاريخ، لذلك إحياء هذه الآثار والحفاظ عليها، والترويج للسياحة لها أمرا هاما جدا مهما كلفنا ذلك، لأن مردوده يتجاوز القيمة المادية إلي قيمة إنسانية وحضارية تطال أوطاننا، وخدمة للحضارة الإنسانية بعامة.
وكما بدأنا بتعجب أبو العتاهية من السائرين علي رفات  الأجداد، فنختتم بتعجب آخر، وهو عجبا لأمة تهمل ذاكرتها علي هذا النحو الخطير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق