السبت، 4 مايو 2013

قراءة في هان الود للقاص عصام عبد الحميد - بقلم: عبد القادر أمين


حين يكون سفيرا ناجحا فى عالم المرأة

قراءة فى مجموعة " هان الود " للقاص / عصام عبد الحميد

بقلم : عبد القادر أمين *



" عصام عبد الحميد " فنان مبدع ومنظِّر لفن القصة .. قلم ذكورىٌّ تخصص فى عالم المرأة ونبغ فيه ، يدافع عنها ويتبنى قضاياها ويتحدث كثيرًا بمعاناتها .. وهذه حقيقة تفرض تفسها فى أعماله التى عَنْوَنَ لها فى مجموعاته السابقة " زوَّجتك نفسى ـ فتافيت امرأة ـ هان الود " أو فى عناوينه الداخلية " رائحة رجل ـ فراشات تائهة ـ ميرين " وتستطيع أن تدرك ذلك أيضًا من خلال أغلفة هذه الأعمال نفسها ولنكتف بالمجموعة التى  بين أيدينا " هان الود " لتجد المرأة مجسدةً فى يد العطاء التى  تحمل الوردة فى انسيابية رائعة وعُودُهَا بلا شوكٍ على غير المتعارف فى الطبيعة فى حين أن يد الرجل جاءت مفزعة ومفاجِأة بخروجها من المخبوء المستور ثم فى توجيه الرصاصة أو على الأقل فى كيفية قبول الهدية أو حتى فى مكافأتها .

** **  كل هذا يعطيك دلالة عن شخصية " عصام " التى تتجلى فى تبنيه لمشاكل المرأة النفسية خاصة ثم الجسدية والاجتماعية والعقلية والتى كثيرا ما تحيا فى حالة من الفراغ العاطفى يجعله عصام هو المبرر الأساسى بل والوحيد فى كل مشاكلها بينما تظل المرأة هى الأميرة المدللة فى عالمه الرومانسى وهناك شبه اعترافٍ يرد منه صراحة فى حواراته العامة ومناقشاته بما يجعلنا نطرح سؤالا وجدلية مؤداها :

هل الرجل قادر على أن يغوص فى عالم المرأة يشعر بها ويكتب عنها ؟

أستطيع الجزم ـ قراءة تقص ٍلا تعصبًا ـ أن عصام عبد الحميد استطاع تحقيق هذا بما يملك من أدوات وبما لديه من خبرة حياتية فعلا ..

ففى " هان الود " عاش أزمة وفاء وناهد وعزة ومنى بينما يقوم مصطفى بطل القصة وركيزة أحداثها بدور الربط فقط بين العناصر الحقيقية ويكفيك دلالة على هذا أن " هان الود " الوحيدة التى جاء فيها الراوى منفصلا عن الأحداث بينما فى الثلاث قصص الأخرى كان يتحدث بصوتهن جميعا فكان المتحدث بلسان " ميرين " هذه الفتاة الغربية التى احترم عقليتها ودافع عنها وبشَّع صورة العربى الديكتاتور فى عين القارئ للدرجة التى جعلتنا نتعاطف معها وهذا من براعة موكلها فى عرض قضيتها ضد عقلية الرجل الشرقى .

وتراه كذلك مع الفراشة التائهة فى العالم الافتراضى وحتى حين أراد أن يظهر شيئا من خطأ الانشغال للأب والأم عن ابنتهما فى " الناب الأزرق " برر ذلك وأبرزه فى صورة العشق والهيام .. حين كانا يجلسان فى كازينو هاواى المطل على شاطئ البحر .

وإذا حاولنا الولوج إلى المجموعة نستطيع أن نؤكد على بعض الأمور ربما فى فكر عصام القصصى عامة وهان الود خاصة  منها :



** ( 1 ) دائما المرأة ضحية فى فكر عصام .. إما ضحية الحبيب المخادع أو الزوج المشغول البعيد عن البيت أو غياب الرعاية من الأب والأم . وعبثا يحاول عصام حين يدافع عن الرجل أو يبرر أفعاله وتقصيره ذلك .. لأن أنثوية القضية تجعله دائما فى صف المرأة الأم والأخت الزوجة والحبيبة و إن كانت الأخيرة أهمهم على الإطلاق لاستيعابها كل الصنوف السابقة فى نوع من التأكيد على الحب .



** ( 2 ) عصام عبد الحميد قادر على توظيف الصورة وابتداع الرموز الشفيفة للتعبير عن المواقف الحرجة وتجسيد اللحظات التى تتصل باللقاء الجسدى وإفضاء الشهوة بين الرجل والمرأة بنوع من الحياء الكاشف لعقليته ومشاعره المرهفة ومرجعيته الدينية بمهارة تحترم المواضعات الاجتماعية المسلمة فى التعبير عن هذه اللحظة المبحرة فى العشق والهيام والذوبان فيقول مثلا  " وفاء جاءت فى لحظة حب غافلة بين الزوج والزوجة  / وأن يمارس معها الحب / وبجوارها أنثاه فى ثياب الفتنة وقد نكست أضواء الشموع نظرة عينيها التى تحمل نداء ولهفة ونزقا جنونيا عارما فيذهل عن الطعام فيحمل أنثاه بيديه القويتين ويغرق فى بحور من اللذة حتى الثمالة / ولم يأخذ ولا رشفة صغيرة من نبعى " وكذلك حين يحتاج السياق نوعا من الاستثارة من أحد الأطراق للطرف الآخر يأتى التعبير فى صـ 95 " فأرسل لى فيلما صغيرا ـ أى قصيرا ـ لا تتجاوز مدته ستون ثانية ولكنه فجر بركانا بداخلى " وفى صـ 71 " وكنت أشعر دائما وأنا أغتسل برضا هائل وسعادة تغمرنى مع الماء المتدفق بعد كل اللحظات المتوهجة التى مارسنا فيها الحب "

فى حين تسقط ورقة التوت عند " ميرين " بما يعكس اختلاف الرؤى وتوافقات ومواضعات المجتمع الغربى فتأتى كلماتها  عن أحد اللقاءات " تتخللها موجات متدفقة من القبلات الغرامية / تجتاحنى رغبة أنثوية صارخة من عمق الحرمان بأن أهوى على شفتيه فأعتصر رحيقهما " ولعل التصريح بالقبلات وبهذه الكيفية هنا جاء مناسبا لشخصية ميرين الغربية المتفتحة بما لايخرج عن سياق المنهجية فى شخصية القاص حين يعبر عن هذه اللحظات الحميمية بين الرجل والمرأة ، وحين يحاول إقناعنا يعقد مقارنة بين قيمة المرأة فى الرؤية الإسلامية وقيمتها فى الرؤية الغربية فيأتى بالأولى فى صيغة المفرد الذى لا يتجزأ بينما أتى بالرؤية الغربية بصيغة الجمع وهى دلالة ضمنية تشى بمرجعية عصام الإسلامية والتزامه وحرصه على التناغم بين ما يكتب وما يعتقد بما يعكس صدقا عاما لكل ما يكتبه .



** ( 3 ) الحكمة بالغة فى عقلية عصام عبد الحميد تتكشف من عباراته التى تبدو كنجوم تتلألأ فى سماء المجموعة وتتناثر كقطع من اللؤلؤ والماس يهديها بمنتهى الأريحية دون عناء فيقول صـ 68 " كل اقتراب حميم بين حبيبين هو فى حقيقته لحظة استعداد للرحيل " وفى صـ 80 " أروع إحساس ستجدينه وأنت فى قمة وحدتك وتبحثين عن أحد يسمع شكواك أن تستمعى باهتمام لمن له شكوى " وفى صـ 81 " أنك حين تعطين تكتشفين أن هذا هو الحصول الحقيقى على السعادة الأبدية " .

وهكذا يجسد معنى السعادة الحقيقية والرضا الكامل والانخراط مع الآخرين والإحساس بهم من خلال العطاء والمنح والاهتمام بهم .



** ( 4 ) الشاعرية الرائعة فى رسم الصورة وكأنها تتحرك يقول صـ 37 " السكون يحيط بالغرفة والظلام يحاصرها وحركة الممرضات خفيفة ورشيقة كالفراشات وأصواتهن هامسة ولكن حروف متناثرة من أحاديثهن تصله .. " هكذا تشعر أنك مع شخوصه تتحرك معهم وتعيش حالتهم وتتلمس مدى حرصه على رسم صورة من الهدوء المطلوب فى مثل هذا المكان وكأنه يرشد إلى ضرورته ويؤكد عليه كما نجد فى صـ 41 " فى الشرفة الكبيرة يجلس على كرسى مريح ويغوص بعينيه فى صفحة مياه النيل الرائعة يحاول أن يستمد منها قدرا كبيرا من الهدوء لتستقر فيه .. تنساب موسيقى هادئة من الراديو أنيسه المحبب فى البيت منذ عقود طويلة ... أغمض عينيه واستسلم للسكون الجميل المحيط به " وفى صـ 65 يتحدث بلسان ميرين قائلا " أما هو فقد جاء كحبة مطر مكتنزة بالعطاء بكل قوتها وعنفوانها من السماء لتسقط على صحراء أيامى لتوقظ الربيع قبل أوانه " هذا الاشباع المعنوى والجسدى أيضا الذى يكتنزه عصام فى المطر المكتنز بالعطاء القوى والعنفوانى .. كل هذه المفردات ربما لا يعكس بها فحولة الرجل بقدر ما يركز بها على احتياجات بطلته التى تعيش خريف الحب قبل حلول أيام عمرها فيه .

** * وعمومًا فقد صنع عصام عبد الحميد عالمًا خاصًا وصادقا مع نفسه وصفاته فهو عندما يعجب بشئ تخرج كلمة " الله " من قلبه صافية صادقة معبرة مبهجة وكذلك سمعتها منه حين قرأت رد مصطفى رأفت صـ 49 عندما وافقت " منى " على أن يهربا معًا بعيدًا عن منغصات الحياة فقال : الله .

كذلك استطاع أن يؤكد رسالية الكلمة عنده وأن يوظف أدواته ويُجيِّشَ حتى حروفه لتقف معينة له عند استحضار المعانى فى الكلمات وحتى الأسماء فتجد فى " هان الود " اختيار الأسماء يعطى دلالة معينة كاشفة عن التناغم بين الاسم والمضمون والتوظيف لهما معا فـ " مصطفى رأفت من الرأفة والصفاء / اسم زوجته " وفاء " يشِى بمكنون مصطفى من مشاعر الوفاء واحترام الحياة الأسرية معها والحفاظ عليها / اسم حبيبته " منى " يوحى باستشراف الحلم والأمنيات والتحليق بالمعنى فى سماء الجمع لا المفرد له دلالات نفسية عميقة / وكذلك " ناهد " ابنته الكبرى ففى أحد معانى ودلالات الاسم هى المناهَضَةُ فى الحرب والخصومة .

 ولعل " هان الود " عروس المجموعة تخلق عالمًا من الصراع الدائر بين الحياة المرغوب فيها والحياة المرغوب عنها فى محاولة لخلق نوع من القناعات أن المال ليس سببًا فى السعادة ولا يجب أن تقف موانعٌ أمام حبيبين أبدا ، هذه العزيمة هى التى جعلت مصطفى يتشبث بأمله و " مناه " الأنثوية الجميلة الضعيفة التى يتقوى به فى بعض اللحظات لتمنحه قوة هائلة تدفعه للحياة فيبحث عن حلمه فى المؤسسات الأهلية ودور الأيتام ... وبمنتهى اليسر تنفك العقدة فى رسالة رقيقة من صفصافة إلى حبيبته الغائبة " منى " يهديها أغنية هان الود للفنان محمد عبد الوهاب وببساطة الحكى وبساطة وصدق عصام عبد الحميد تنحل هذه العقدة وترد " منى " فى نفس الوقت برسالة من مكانها فى دار المسنين البعيد مكانًا والقريب بل والملتصق بحضن وقلب حبيبها فتقول : والله ما نسيتك أبدا ولا لحظة واحدة ولم يهن ودك على .. كل لحظة أتمنى العودة إليك ولكن قلبى لا يطاوعنى " .

وبينما يمثل الهروبُ من الواقع مشكلة أساسية فى حياة الناس كما إنه ليس حلا لأى مشكة واقعية إلا إننا نجد عصام يعطى للهروب معنى دلاليًا جديدًا وهو أنه هروب " إلى " وليس " من " ، إلى الواقع الحقيقى والوجود المنشود ليترك حياة الموات فى نحور من يتصارعون على الدنيا ولا يستطيعون الرؤية وسط ضبابية النفوس الجاحدة الحاقدة بينما ستنقشع الغيوم والضباب وستشرق الشمس لهما طالما معًا وحينها تجد الابتسامة المطمئنة تملأ عليك معهما رحب الورق وعالم القراءة الممتع لنهاية سعيدة متوقعة ولكنها لذيذة حين تكون الانسيابية والصدق هما المعيار والوسيلة لتحقيق المراد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق