عن الكتاب نتحدث
خالد جوده احمد
اشتهرت الصداقة مع
الكتاب عن غيرها من أصناف الصداقات، ولتلك الرعاية لهذا النوع من الصداقة الراقية
أهميتها ومكانتها وأسبابها المشرقة فالكتاب هو عمدة الوسائط الثقافية، وهو وسيط
ومعبر الحضارة، وهو أساس العلوم والمعارف، وهو درب الأدب ومحفز الإبداع، وحضن الفن
والأسلوب الجمالي، وهو سر العاشقين للعلم والمعرفة، فالكتاب تدوين خبرات الحياة،
والكتاب الشيق هو وجه الإنسانية المشرق، وكنز البشرية، والكلمة الصادقة الصافية هي
نافذة في قلب المجتمع تطل منها حقائق الفطرة، والكتاب وسيلة أساسيه لبناء الذات
الثقافية الاجتماعية، وأيضا وسيله تربوية، ومتعة عميمة من متع الحياة ومباهجها،
والمطالعة استمتاع وإنتاج ، وفضيلة ومنفعة ، فهي ليست هدفا في حد ذاتها لإجتناء
المتعة والتسلية وكفى ولكنها تعنى أن تكون تلك المطالعة إيجابية تهدف إلي تثمير
الحياة وتحقيق " القيمة المضافة " وذاك الكلام ليس مجرد عاطفة
مشبوبة نحو الكتاب ، بل حقيقة تؤكد أن
المطالعة حقا مقدرة حضارية ، وتوجيه ديني ، تخلق من القارئ شخصيه مرنة قادرة على
التخيل والتحرك الوجداني كما هي قادرة على الإنتاج المادي والعطاء للحياة بما يحقق التوازن في
الشخصية ، بما يساعد ذلك جميعه على التطور
والتحضر ، يقول " جورج
ديهامل " الأديب الإنجليزي صاحب الرواية ذائعة الصيت " عام1984 م
" : " يلزم أن يفهم الشعب أن أعز
الأغراض واسماها والمتع الدنيوية ومظاهر التقدم جميعها متوقفة على استعمال العقل وتثقيفه وصقله ، وبدون الكتب تصبح حياتنا الفردية والاجتماعية
مستهدفة لخطر الانحدار إلي الهمجية التي لا يشفى من دائها
، ويجب أن يعلم الجميع أن تثقيف العقل أمر
جوهري للحياة الصالحة "
،
وقيل إذا أردت ان تعرف حضارة أمة بابسط مقياس فاعرف لديهم أسعار الدواء والكتاب ،
وبالفعل فالأول دواء البدن والآخر دواء الروح .
والمطالعة كانت وستظل اللون المحبب من وسائط
الثقافة وهى أخلدها وأبقاها ، وهى الإساس في اكتساب الثقافة لما تشمله من عمق في
الاكتساب وشمولية في المعارف وحيث تغلب الصفة الترفيهية على وسائط الثقافة الأخرى
، كما أن هذه الوسائط غير الكتاب لا تعتمد على بذل الجهد ، بل يكفى أن يجلس المتلقي
أمام التلفاز مثلا لتصب في روحه المواد المقدمة دون أدنى جهد أو بذل منه ، ومعروف
أن ما يأتي سهلا يذهب سهلا ، وأن أكثر ما يعتز الإنسان به هو ما كان باختياره وما
بذل فيه من جهد ، وهكذا كانت وسائل الإعلام الأخرى أكثر تغلغلا في المجتمعات خصوصا
مع سهولة تقبلها وندرة الجهد الذي يبذل في
استيعاب ما تعرضه هذه الوسائل بعكس الكتاب الذي يحتاج إلي جهد ذهني وبذل مالي ضخم
، وعود مرة ثانية لنؤكد أن انكماش طبقة القراء في المجتمع تعنى محدودية الشخصية
وضحالتها بوجه عام طبقا للمادة الثقافية التي تعرضها الوسائل الثقافية الأخرى ، وهذا الكلام لا يعنى انصراف عن الوسائل الأخرى
لتكوين الثقافة والتحفيز لتأسيس الملكات ، ولكن خير الأمور ما كان وسطا بين الإفراط
والتفريط ، فلا تتكون جميع مصادر الثقافة من وسائل أخرى متعددة غير الكتاب ( ولذلك
خطورته البالغة كما أشرنا ) كما لا تتشكل ثقافتهم من الكتب فقط ، مكتفية بما
تتضمنه الكتب ودون الخوض في تجارب الحياة والاشتمال على ما تحتويه وسائط الثقافة الأخرى
في المجتمع ، ولهذا دوره في تحقيق التوازن ، ولعل الدليل على ذلك مقولة "الجاحظ " عن نوعية الكتب المعتبرة :
" الكتب المعتبرة الجديرة بالعناية والحرمة ، إنما هي الكتب التي تنفع
الناس في حياتهم الدنيا وتبصرهم بدينهم ، وتسمو بأفكارهم ، وترقق أذواقهم ككتب
الفلسفة والآداب والسنن ، والكتب التي تعرف الناس أبواب المكاسب والصناعات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق