الخميس، 11 سبتمبر 2014

في عالم الكتاب.. للنجاح خلطة سحري !


في عالم الكتاب.. للنجاح خلطة سحرية!
منقول

عندما انتهيت من قراءة كتاب "البحث عن الذات" الذي يحكي قصة حياة الرئيس "محمد أنور السادات"، لاحظت على غلافه هذه العبارة: "هذا الكتاب نُشر باللغات التالية: الإنجليزية، الألمانية، والفرنسية، والسويدية، والهولندية، والإيطالية، والنرويجية، والعبرية، والفنلندية، والدانمركية، والأسبانية، واليابانية. كما نُشرت أجزاء وفصول منه في كبرى الصحف والمجلات العالمية".
وهنا تسابقت الأسئلة إلى ذهني: هل يكون الكتاب ناجحًا لمجرد صدوره بعدة لغات، أو في عدة طبعات؟ ما مقياس النجاح لأي كتاب؟ وكيف عاشت العديد من الكتب التي لا تزال تُطبع منذ عشرات السنين، وتلقى رواجًا كبيرًا، مثل "إحياء علوم الدين"، و"في ظلال القرآن"، و"شخصية مصر" لجمال حمدان، ورواية "زينب" لهيكل، وثلاثية محفوظ، و"طوق الحمامة"، و"كليلة ودمنة"، وغيرها...
وتجنبًا لهذه الحيرة، قررت التوجه بأسئلتي إلى المتخصصين في عالم الكتاب والقائمين عليه، لعلّي أحدد -بناءً عليها- لماذا ينجح كتاب ويفشل آخر.
رواج ناجح وآخر فاسد
أجابني الأديب والشاعر "كمال نشأت": إذا حاولنا قياس النجاح أو الفشل الذي يصادفه كتابٌ ما، لوجدنا أن الكتاب النجاح هو الذي يؤلفه أستاذٌ عالِم بمادة الكتاب خبيرٌ بها، أما إذا اختل منهج الكتاب ولم يهتم مؤلفُه بموضوعه الاهتمامَ الكافي؛ فالفشل هو مصيره.
أما من حيث المحتوى فالكتاب الديني هو الرائج في المقام الأول حاليا، نتيجة للعزوف عن قراءة الكتب العلمية والفلسفية، لاعتمادها على الأسلوب العلمي المنهجي. لكن بعيدًا عن المنهج العلمي والجدية، هناك كتب رائجة لأنها تخاطب الغرائز الإنسانية، ومنها الكتب التي تتحدث عن القضايا الجنسية والخرافات؛ فهي رائجة بالنسبة لطائفة معينة من القراء، ومثلُ هذا الرواج يُطلق عليه الرواج "فاسد"، ومريدوه أناس باحثون عن الإثارة فقط، ولا يهمهم القراء المتميزون.
لكل كتاب ظروفه
أما الدكتور "إسماعيل عبد الفتاح"، كاتب أدب الأطفال الأستاذ المساعد بالتخصص نفسه، فيعتقد أنه لا يوجد خلطة نجاح يمكن تطبيقها على كافة الكتب؛ فتوزيع الكتاب ورواجه يعتمدان بشكل أساسي على قوة الدار الناشرة وعلاقاتها التي كلما زادت كانت عاملا في زيادة توزيع الكتاب.
أضف إلى ذلك ضَعف الإعلان عن الكتب، وارتفاع سعر الكتاب وانخفاض القوة الشرائية للقُراء؛ فجميعها معدلات تجعل من انتشار الكتاب طبقًا لمُحدِدات واضحة أمرًا مستحيلاً!.
أما لو تحدثنا عن مصر تحديدًا فسنجد أن انتشار الكتاب ورواجه مُحدَد بعوامل، أولُها: "معرض الكتاب الدولي"، والذي يتم فيه ضخ حوالي 90% من الكتب الصادرة، ورواج الكتاب في المعرض لا يتوقف على شراء الجمهور له، لكن على مدى نجاح الناشر في توزيع مئات النسخ منه على الناشرين، ثم في بيع الكتاب للهيئات والمؤسسات والجامعات؛ إذ تمثل هذه المبيعات 95% من مبيعات الناشرين.
أما ثاني العوامل فهي "القائمة المدرسية"، وهي قائمة تصدرها وزارة التربية والتعليم للكتب الصالحة للتداول في المكتبات المدرسية؛ فالكتاب المُتضمن بهذه القائمة يضمن توزيع مئات النسخ، بينما تأتي "المعارض الخارجية" عاملاً ثالثًا، وهي تمثل نسبة 60 إلى 75% من مبيعات الناشرين المصريين لأي كتاب.
الإنسانية.. فكرة عامة
*بينما تخبرني الأديبة السورية "لينا كيلاني" أنه بشكل عام يمكن القول بأن هناك كتابًا عمره طويل وآخرُ عمره قصير؛ فالكتاب الطويل العمر هو الذي يخاطب القارئ بصفة إنسانية بعيدًا عن الخصوصيات، أما لو تحدّث الكتاب في بيئات وخصوصيات بعينها فقد يكون عمره أقصر، وأكبر مثال يؤكد ذلك أن كتابات "نجيب محفوظ" والتي وصلت العالمية ونال عنها جائزة نوبل، كانت تحدثت عن الإنسان بشكل عام.
لكن ليس معنى ذلك كل كتاب قصير العمر غير ناجح، فمن الممكن أن يخبو الاهتمام قليلا بالكتاب الذي يظهر ليناقش حدثًا في بؤرة الضوء، ولكنه يظل مرجعًا في موضوعه بعدها. ومن معايير النجاح أن يأتي الكتاب بجديد.
ولو أحببنا أن نطبق معايير نجاح الكتاب على كتب الطفل في عالمنا العربي، لوجدنا أن أدب الطفل حديث لدينا نوعًا ما، ويعاني من غياب وقصور النقد الأدبي، وما زال هذا الأدب في الوطن العربي مُستلهِمًا من التراث أو نظيره الأجنبي أكثر منه مبتكِرًا. لذا أرى أن معايير نجاح كتب الطفل تتمثل في جودة عناصر إخراج الكتاب وشكل غلافه، بالتوازي مع مضمونه، بل إن مضمون الكتاب إن لم يكن موازيًا للصورة فيجب أن يتفوق عليها. ثم يأتي عامل آخر وهو تنمية عادة القراءة لدى الطفل.
الناشر والكتاب الناجح
وحتى تكتمل الصورة أمامي ذهبتُ إلى الجانب الآخر، وأقصد هنا صانعي الكتاب "الناشرين"، لأضع تساؤلاتي أمامهم...
أشارت الأستاذة "داليا محمد إبراهيم"، نائبة رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات "نهضة مصر"، إلى أن مقياس نجاح أي كتاب هو أن يقوم الناس باقتنائه، وهنا يأتي السؤال المهم: كيف أنجح بصفتي ناشرًا في جعل القراء يشترون كتابًا ما؟.
يتحقق هذا من خلال عدد من المحدِدات نعمل على تحقيقها؛ فالكتاب -كأية سلعة- يجب أن يكون موضوعه مُلبيا لاهتمامات المجتمع، وهذا يتم على مستوييْن: أولا موضوعات على مستوى الحدث، أي تتسم بالآنية، ويكون القارئ بحاجة للتعرف عليها؛ فمثلاً أنتجنا كتابًا بعنوان "إنفلونزا الطيور" بعد ظهور وباء إنفلونزا الطيور بأسبوع واحد.
أما المستوى الثاني فهو موضوعات تحتاج للتعمق المعرفي فيها، ونشر الوعي الفكري حولها. وفي إطار ذلك يعمل الناشر وفق هدف ورسالة واضحيْن، يحاول تحقيقهما صناعيا وتجاريا بما يخدم القراء، فيُنتج كتابًا عالي المواصفات في الجودة، متضمنًا عوامل الجذب للقارئ، في الغلاف والإخراج، والعنوان الذي هو أول مدخل للكتاب.
أما فيما يتعلق بالمؤلف فيجب أن تكون لديه الخبرة والقدرة على تغطية موضوع حتى يكون مقنعًا للقراء؛ فهناك صعوبة في تقبل القارئ لمعلومة لا يثق بكاتبها؛ لذا فالحرص على التعامل مع أكبر المؤلفين في كافة المجالات هو سياسةٌ ثابتة لدى الدار، يتواكب معها تقديم الكتاب المترجَم بهدف وجود حوار حضاري بين الشعوب، والتأكيد على أن هناك تراثًا حضاريًا، إلى جانب إزالة الأفكار السلبية تجاه المسلمين.
وتستطرد "داليا إبراهيم": عاملا آخر يجب أن يسعى إليه الناشر وهو: كيف يمكن أن يحقق تواجدًا على أوسع نقاط يغطي القراءَ؟ وعلى مستوى "نهضة مصر" فقد حققنا ذلك من خلال زيادة منافذ التوزيع، وابتكار وسائل جديدة، بتوظيف التكنولوجيا الحديثة في المجالات العلمية والثقافية والرياضية، إلى جانب المجال التعليمي.
صناعة الكتاب
الناشر "فتحي نصار" -مدير الدار الثقافية للنشر- يرى أن لكل ناشر خطا فكريا يسير عليه عند نشره لكتاب ما، وبناءً على ذلك يتحتم على الناشر أن يجيد صناعة الكتاب، ولكي تتحقق هذه الصناعة فإنها تستلزم عدة عوامل من جانب الناشر يحرص على وجودها والعمل على أساسها. يأتي على رأسها اختيار موضوع الكتاب بما يتفق والمبادئ الأخلاقية؛ فلا يمس العقائدَ، ولا يتهجم على طائفة أو جنس معين. ثم على الناشر ألا يستسلم لرغبات القراء وينزل إليها بتقديم كتب تتحدث عن الجنس أو الخرافات بغرض تحقيق الربح السريع؛ فالموضوع الجيد هو الذي ينجح ولو بعد حين. أما الكتاب التافه فرغم وجود قراء له فإنه لا يعيش إلا قليلاً. وفي النهاية الناشر الملتزم هو الذي ينجح.
وعلى الناشر اختيار الخامات الجيدة الأخرى التي تُخرج الكتاب للقراء في أكمل صورة؛ فالعنوان يجب أن يعبر بوضوح عن موضوع الكتاب، دون تعمُد الإثارة والمبالغة، حتى لا يفقد الكتاب والقائمون عليه مصداقيتهم. ويجب أن يكون الغلاف جذابًا ومريحًا في الوقت نفسه.
ويضيف "فتحي نصار": هناك عوامل أخرى تسهم في نجاح الكتاب وترويجه؛ فمنصب المؤلف مثلاً عامل، لكن مع الأخذ في الاعتبار بجودة الموضوع، وأبلغ مثال على ذلك "محمد حسنين هيكل" و"إبراهيم نافع"، فكلاهما كان رئيسًا لتحرير جريدة الأهرام، ومع ذلك نجحت كتب الأول وفشلت كتب الثاني!.
عوامل مجتمعة
أما الناشر "محمد كمال" -مدير مركز الكتاب للنشر- فيرى أن هناك مؤشرات لنجاح الكتاب، فتعدُد طبعاته، أو ترجمته إلى عدة لغات يُعد غالبًا دليلاً على نجاحه، مع الأخذ في الاعتبار بأن سعر الكتاب عامل مهم في نجاحه.
وعلى الناشر كذلك إجادة اختيار موضوعاته، وإسناد معالجتها إلى أفضل الكُتاب. وبشكل عام فصدور الكتاب مرتبط بأحداث الساعة يُعد عامل نجاح له؛ فللأحداث تأثير كبير في ترويج الكتاب. منذ عامين -مثلاً- قمت بنشر كتاب "البهائية وعلاقتها بالصهيونية وقيام دولة إسرائيل" للدكتور "خالد السيوطي"، لكنه لم يلقَ الرواج المنشود، ثم أعدتُ نشر الكتاب مؤخرًا في طبعة أخرى فلاقى الكتاب توزيعًا لا بأس به هذه المرة نتيجة الجدل الدائر هذه الفترة عن البهائية.
ويضيف "محمد كمال": من مقومات نجاح الكتاب كذلك أن يخرج للقراء بشكل جذاب، وهذا من عوامل الدعاية له أيضًا، ولا أبالغ إذا قلت إن 50% من نجاح الكتاب يتوقف على شكله وجودة ورقه وطباعته، بينما تتوزع 50% الأخرى بين خبرة المؤلف وظروف السوق، فإذا اجتمعت هذه العوامل جميعها كان الكتاب ناجحًا.
أعتقد أننا قد عرفنا الآن التوليفة السحرية التي ترسم صورة الكتاب الناجح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق